الثورة أون لاين – ترجمة ليندا سكوتي:
عندما وضعت “إسرائيل” نصب عينيها الإقدام على اغتيال ستة من العلماء النوويين الإيرانيين بين عامي 2010 و2012، رأى مؤيدو عمليات القتل بأن إتباع هذا الأسلوب سيسهم في الحد من البرنامج النووي الإيراني، ذلك لأن الدبلوماسية المتعددة الأطراف لم تحرز التقدم المرغوب، بيد أن عملية اغتيال العالم النووي البارز محسن فخري زاده جاءت في سياق مختلف تماما عما سبق.
لقد أنتجت إيران كميات كبيرة من اليورانيوم مرة أخرى، غير أنها لم تقترب من المستوى المطلوب لإنتاج السلاح النووي، وجاء ذلك الإجراء عقب انسحاب إدارة ترامب الأحادي من الاتفاق النووي الإيراني الذي يرمي إلى الحد من قدرة إيران على تخصيب اليورانيوم حتى شهر كانون الثاني عام 2031، علما أنه سبق لإيران أن أعربت مرارا وتكرارا عن عودتها للاتفاق النووي في حال أبدت إدارة بايدن موافقتها على القيام بالمثل، وقامت برفع العقوبات الصارمة التي فرضها الرئيس ترامب.
وفي هذا السياق، نطرح تساؤلا حول الأسباب التي دعت إلى اغتيال فخري زاده في هذا الوقت؟.
يبدو أن لدى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يحظى بدعم الرئيس ترامب، النية لإتباع سياسة الأرض المحروقة بغية الحيلولة دون العودة إلى الأساليب الدبلوماسية في ظل إدارة الرئيس المنتخب جو بايدن، إذ يكتنف “إسرائيل” وإدارة ترامب القلق خشية سعي إدارة بايدن للعودة السريعة إلى الاتفاق النووي، الذي قد يؤدي إلى إنعاش الاقتصاد الإيراني، لذلك جاء مقتل فخري زاده لعرقلة أي مساعٍ مستقبلية.
وكعادتها لم تتحمل الحكومة الإسرائيلية مسؤولية الاغتيال، لكن تشير تقارير عدة، والأسلوب المتبع في عملية القتل، إلى عملاء الموساد، أما إدارة ترامب سواء كانت على علم بالمؤامرة مسبقا أم أنها لم تكن تعلم بها، فإنها لم تعرب عن إدانتها لعملية القتل حتى الآن، علما أن وزير خارجيتها مايك بومبيو زار “إسرائيل” مؤخراً.
إن اغتيال العالم فخري زاده لن يكون له تأثير فعال على خبرة إيران النووية، الأمر الذي يجب أن يؤخذ بالحسبان، إذ وفقا للاستخبارات الأميركية، كان لدى طهران برنامج يهدف لإنتاج الرؤوس النووية ولكنه أوقف قبل 17 عاما.
وعلى الرغم من أن عملية الاغتيال الأخيرة قد لا تفضي إلى تطوير إيران لأسلحتها النووية، غير أنها ستسهم في تسعير العداء المستحكم بين الولايات المتحدة وطهران، ما يشكل عقبة في وجه الدبلوماسية، كما أنها قد تقود إلى تعزيز التشدد في إيران ورفض العودة إلى إتباع الطرق الدبلوماسية، وازدياد نفوذ التيار المحافظ في الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها شهر حزيران المقبل.
جاء رد القيادة الإيرانية غاضبا وحذرا إزاء عملية القتل، إذ صرح الرئيس حسن روحاني بأن إيران سترد بالأسلوب والوقت الذي تختاره، وألقى باللائمة على “إسرائيل” قائلا: “تظهر عملية الاغتيال الوحشية ما يكتنف أعداؤنا من قلق منذ أسابيع عدة.. أسابيع انتابهم خلالها الشعور أن عصر ممارسة الضغوط بات قاب قوسين أو أدنى من أفوله، وأن ثمة تغييرات سيشهدها العالم برمته”.
ويبدو جليا أن طهران لن تدخر جهدا في الانتقام من “إسرائيل” لكن بأسلوب مختلف، بحيث تضمن الحد من الشيطنة الإسرائيلية في المستقبل المنظور، إذ ربما تتعرض أهداف إسرائيلية لخطر محدق، فضلا عن استهداف مسؤولين إسرائيليين في الخارج، بالإضافة إلى ما ذكر آنفا، قد تتعرض حياة الأميركيين المرتبطين “بإسرائيل” للخطر أيضا، ولاسيما أنه سبق لإدارة ترامب أن اغتالت الجنرال الإيراني البارز قاسم سليماني في شهر كانون الثاني الفائت.
وفي وسط هذه الأجواء الساخنة، لا شك أن إدارة بايدن المقبلة ستواجه تحديات جسيمة، وبخاصة أن بايدن قد تعهد بالعودة إلى المفاوضات مع إيران إلا أنه لا يستطيع في الوقت الحاضر سوى إرسال رسالة إلى إيران يلتمس صبرها عبر وسائل الإعلام إلى حين تسلمه سدة الرئاسة بتاريخ 20 كانون الثاني-وبذات الأسلوب أرسل أيضا رسالة “لإسرائيل” طالبا منها وقف حملة التخريب التي تشنها.
وفي ذات الوقت، بإمكان دول أوروبية تربطها علاقات دبلوماسية مع إيران ولاتزال أطرافا في الاتفاق النووي المساهمة في جسر الهوة إلى حين تنصيب بايدن، الأمر الذي يستدعي من وزراء خارجية تلك الدول الإسراع في إصدار بيان يدين عملية الاغتيال لكونها عملية غير شرعية بموجب القانون الدولي، فضلا عن تقويضها قضية منع الانتشار النووي، وقد وصف المتحدث باسم الممثلة الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبية بأن الاغتيال “سلوك إجرامي”.
واللافت في الأمر، أنه خلال أكثر من 60 عاما تمكنت كل من “إسرائيل” والهند والباكستان وكوريا الشمالية من تطوير القنبلة النووية، بينما لم تتمكن إيران من تطويرها، فهي لا تمتلك سوى محطة نووية واحدة فقط قيد التشغيل.
في نهاية المطاف، لا ريب أن العالم سيشهد مأساة كارثية في حال دفع العدوان الإسرائيلي بإيران لإجراء تغيير في حساباتها والتوجه نحو إنتاج الأسلحة النووية، الأمر الذي قد يفضي إلى سباق للتسلح النووي في سائر أنحاء المنطقة، ويعطل الشرق الأوسط الذي تمزقه الصراعات والنزاعات، ويسعر نيران الإرهاب والعنف في المنطقة العالم.
بقلم: بربارا سلافن
ذي نيويورك تايمز