الثورة أون لاين – ترجمة ميساء وسوف:
إذا نظرنا حالياً إلى السياسة العدوانية التي تمارسها الولايات المتحدة بحزبيها الديمقراطي والجمهوري تجاه الصين، فمن غير المرجح أن يتمكّن الرئيس الجديد جو بايدن من تغيير المبادئ الأساسية للسياسة المتشددة التي فرضها الرئيس دونالد ترامب.
لكن، باستثمار القليل من رأس المال السياسي، قد يتمكن الرئيسان” جو بايدن” والرئيس الصيني” شي جين بينغ” من تهدئة التوترات بين البلدين، وإنّ وضع استراتيجية فعّالة للمنافسة والتعاون والتعايش مع الصين سيكون من أصعب تحديات السياسة الخارجية للرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن، كما أنّه سيكون من شبه المؤكد أن العلاقات الصينية الأمريكية ستزداد سوءاُ خلال الشهرين المقبلين.
عشية الانتخابات الأمريكية ألقى الرئيس دونالد ترامب علانية باللوم على الصين بأنها السبب بانتشار وباء COVID-19، الذي كان السبب الأهم في القضاء على ولايته الثانية، أما الآن وقد أصبح على وشك الخروج من البيت الأبيض، فمن المرجح أن يوافق ترامب على المزيد من الإجراءات العقابية للتنفيس عن غضبه وتقييد إدارة بايدن القادمة، وبهذا فإن العلاقة بين الولايات المتحدة والصين التي ورثها بايدن قد تتضرر بشكل كبير لا يمكن إصلاحه.
فمن غير المرجح أن يغير بايدن المبادئ الأساسية لسياسة ترامب تجاه الصين، وستبقى الصين الخصم الجيوسياسي الأول لأمريكا، وسيكون احتواء صعودها هو في قمة أولويات السياسة الخارجية الأمريكية في المستقبل المنظور.
ومن جهة أخرى فإن سياسة إدارة بايدن تجاه الصين ستختلف أيضاُ اختلافاُ جوهرياً عن النهج الخاسر الذي كان يتبعه ترامب وهو “أمريكا أولاً”، فحسابات بايدن الاستراتيجية تتمثل في أن الصراع الصيني الأمريكي سيكون بمثابة سباق طويل يمتد لعقود من الزمن، وستعتمد نتائجه أولاً وقبل كل شيء على ما إذا كانت الولايات المتحدة قادرة على الحفاظ على مزاياها التنافسية وتعزيزها، وهي: الديناميكية الاقتصادية، والابتكار التكنولوجي، والجاذبية الأيديولوجية.
ومن ضمن الأمور التي سيركز عليها بايدن هي حشد حلفاء الولايات المتحدة التقليديين، بالإضافة إلى تقوية أمريكا في الداخل من خلال معالجة بنيتها التحتية المتداعية، والبحث والتطوير الذي يعاني من نقص التمويل. علاوة على ذلك، وحيث أن إدارة ترامب لا ترى مجالا للتعاون مع الصين، فإن إدارة بايدن ستعتبر التعاون بين البلدين أساسيا لأنه سيعود بالمنفعة لكل منهما في قضايا غاية في الأهمية مثل تغير المناخ والأوبئة ومنع الانتشار النووي.
كما أنه من مصلحته السياسية تخفيف حدة التوتر أو حتى إنهاء حرب ترامب التجارية، لأن الاقتصاد الأمريكي يحتاج إلى كل المساعدة التي يمكنه الحصول عليها للخروج من الركود الناجم عن وباء كورونا.
وتخفيف حدة التوترات سيبدأ بإعادة فتح القنصليات، وهذا بلا شك سيكون خطوة إيجابية لعودة العلاقات الدبلوماسية.
ففي أواخر تموز أمرت الولايات المتحدة الصين بإغلاق قنصليتها في هيوستن بحجة قيامها بأنشطة تجسس اقتصادية غير محددة، وردا على هذه الخطوة أغلقت الصين القنصلية الأمريكية في تشنغدو، وقد أدت هذه التكتيكات المتبادلة إلى تصعيد العداء المتبادل دون داع.
ومن ناحية أخرى، يجب على الولايات المتحدة والصين التأكيد على استعدادهما للتعاون بشأن تغير المناخ، ويجب على كبير مفاوضي الصين بشأن المناخ والمبعوث الأمريكي الجديد لشؤون المناخ، وزير الخارجية السابق جون كيري والذي تم تعيينه مؤخراً من قبل بايدن، ترتيب اجتماع لإعادة تأكيد التزام كل دولة بأهداف اتفاقية باريس لعام 2015 ، واستكشاف المبادرات المشتركة المحتملة لضخ زخم جديد في الجهود العالمية من أجل مكافحة تغير المناخ.
أما القضية الشائكة الأخرى بين البلدين فهي قضية تايوان التي عادت للظهور كنقطة اشتعال عسكرية صينية أمريكية محتملة، ستضغط الصين بلا شك على بايدن لإعادة تأكيد التزام أمريكا بسياسة “صين واحدة”، وعندها يمكن أن تؤدي التسوية الواقعية والدبلوماسية إلى انخفاض التوترات عبر مضيق تايوان.
لكن العقبة الأكثر أهمية التي تقف أمام استقرار العلاقات بين الولايات المتحدة والصين هي الحرب التجارية، ففي كانون الثاني 2020 ، أبرم البلدان اتفاقية “المرحلة الأولى” التي أوقفت مؤقتاً ولكنها لم تُنته، وهو ما يعتبر أسوأ نزاع تجاري في الوقت الحاضر، وإذا لم يُلغ ترامب الصفقة قبل أن يترك منصبه، عندها يجب على” بايدن” و”شي” استئناف المحادثات على الفور لتجنب كارثة تلوح في الأفق، وبالتحديد استحالة تلبية الصين لمطلب إدارة ترامب بشراء ما قيمته 200 مليار دولار إضافية من السلع والخدمات الأمريكية على مدى عامين من 2020 إلى 2021 . أما الحل الواقعي فهو يتطلب اتفاقية المرحلة الثانية الأكثر شمولاً والتي تمدد الإطار الزمني للصين للوفاء بالتزامها بالشراء والتعهد بإصلاحات هيكلية كان قد تم استبعادها من صفقة المرحلة الأولى.
قد لا تغير خارطة الطريق المتواضعة مسار صراع القوى العظمى (الصيني الأمريكي)، ولكن يمكن لـ”بايدن وشي” طمأنة المجتمع الدولي من خلال إظهار استعدادهما للتعاون على الرغم من خلافاتهما الجوهرية.
المصدر Project Syndicate