الثورة أون لاين – يونس خلف:
يمكن القول إن فتح ملف الفساد في مؤسسة الحبوب بعد ضبط الإهمال والتقصير وهدر المال العام في مراكز التخزين ، وأيضاً الكشف عن مستودعات تُخزن فيها الحبوب المسروقة وضبط سيارات محملة بالأقماح .. كل ذلك وضع اليد على جراح مفتوحة ومزمنة ، ولذلك فإن كل من يتابع ويراقب التفاصيل اليومية يرى أن الملف يبدو كبيراً ومتشعباً وفقاً للوقائع والممارسات التي ذاع صيتها في مواسم الحبوب ، من هنا تأتي أهمية التذكير ببعض تلك الوقائع التي نعرفها كما يعرفها الجميع ، وقد أشرنا إليها مرات عديدة ، واليوم تمتد الكثير من الأيدي إلى هذه الجراح المفتوحة لترفع الصوت من جديد بعد أن بدأ محافظ الحسكة اللواء غسان خليل بفتح هذا الملف ، وأكد من خلال الإجراءات الفعلية إنه مستمر في كشف الكثير من أضابير هذا الملف وغيره ، الأمر الذي حفَّز كل من تعامل مع مؤسسة الحبوب أو تضرر من الممارسات والاخطاء أن يتعاون لتعزيز هذه الخطوة التي لقيت ارتياحاً كبيراً وقلنا عنها أنها الصدمة الإيجابية .
وبالعودة إلى بعض الوقائع التي تدلل على انشغال أصحاب الشأن بقضايا منفعة وترك الأقماح منسية لعل الجميع أصبح يعلم إن لوزارة التجارة الداخلية تجارب بعيدة وقريبة في الدمج بشركات التجزئة والخضار والاستهلاكية في مؤسسة واحدة ، سبقتها تجربة دمج وزارة التجارة الداخلية مع وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية ، ثم جاء دمج مؤسسة الحبوب مع الصوامع والمطاحن .
اليوم لو نظرنا إلى جزئية واحدة هي مقر المؤسسة العامة للحبوب ، فالمقر الحالي الافتراضي هو مدينة الحسكة ، حيث تم بناء مبنى للإدارة ضخم يصلح لأن يكون مقراً لأكبر وزارة .. لكن المدير العام المكلف الحالي ومن سبقه من المديرين العامين يداومون في دمشق مقر المؤسسة القديم ولم يداوم أحد منهم أكثر من شهر طيلة العام في الحسكة، كما تم تعيين مديرين مركزيين للمؤسسة يقودون العمل من دمشق منذ أكثر من عشر سنوات .
ورغم أن المدير العام للمؤسسة لايزال يدير المؤسسة ( تكليفاً) منذ سنوات ولم يتم تعيين مدير عام أو تثبيت الحالي انشغل الجميع بمقر المؤسسة في دمشق أما في الحسكة .؟ وانشغلوا بالترقب والانتظار ومتابعة تعيين مدير عام جديد ومن يكون ومن أين.. من الحسكة أم من دمشق .؟ والانشغال الأكبر كان بالمناقصات والتعاقد مع ورشات العتالة ، وبيع الأرضيات من الأقماح وهل تكون بالتراضي أم بالمناقصات .؟ فكان بعضها بالتراضي عن طريق الإملاءات والواسطات ، وكان البعض بالمناقصات التي تخضع أيضاً لبعض الضغوطات والممارسات .
أما الأقماح ظلت في العراء وأطلق عليها الأقماح المنسية ، وظل التخزين في العراء الهاجس والهدف للمنتفعين منه لأنه الخلاص الوحيد من الرقابة والوسيلة الوحيدة للمنتفعين ، فالتخزين في العراء يتطلب تجهيز ساحات لكل موسم ويحتاج إلى أكياس الخيش ثم الشوادر لتغطيتها ، إضافة إلى عمليات العتالة التي يعجز أي مراقب عن متابعتها فترى الكدس الواحد ينهار عدة مرات وفي كل مرة تدفع تكاليف هائلة لإعادة ترتيب الكدس وبالتالي استغلال الهدر المسموح ليصل إلى أرقام مفزعة ، وهكذا تبقى أسباب زيادة الهدر والنفقات الكثيرة مستمرة بدءاً من أكياس الخيش مروراً بالشوادر اللازمة لتغطيتها وصولاً إلى عمليات العتالة ، وأكثر من ذلك ربما تقدر قيمة ذلك كله بالمليارات التي تبني الصوامع والصويمعات منذ عشرات السنين وهي الحل الأمثل للتخزين ، لكن لماذا يكره أصحاب الشأن الصوامع والصويمعات ويعشقون التخزين بالعراء .؟! سيخرج علينا من يقول إن الصوامع والصويمعات مكلفة وتنفيذها يتطلب زمنا ، لكن لم يعد هناك من لا يعرف إن فارق أجور النقل في المناقصات التي تخضع للمساومات والضغوطات كانت كافية لوحدها لبناء مدينة من الصوامع والصويمعات ، و يبدو أن الهاجس والاهتمام ظل بغربال الحبوب الذي تسقط من تحته حبات القمح للتجار والسماسرة ، وأيضا التمسك بالتخزين بالعراء لأنه خاصرة ضعيفة في معركة الفساد ، ولذلك كله حدث ما حدث دون رقيب أو حسيب ، لا بل إن غياب الرقيب والحسيب جعل ضعاف النفوس في بعض المواسم يشترون التراب بدلاً من القمح ، والسبب نفسه يجعلهم اليوم يتركون مخازين الحبوب مستباحة لكل من يسرق ويخزُن في مستودعات موجودة بالعلن وأبوابها ملونة وبالقرب من المخازين الموجودة في العراء