الثورة – جهاد اصطيف:
يعاني طلاب مدينة حلب من ظروف معيشية وتعليمية صعبة، تتصدرها أزمة الكهرباء والانقطاع المتكررللتيار، أثرعلى تحصيلهم العلمي وسير دراستهم بشكل مباشر، في ظلّ هذه الأوضاع، يضطر الأهالي والطلاب إلى التكيف مع واقع قاس، عبر البحث عن مصادر بديلة للطاقة كالألواح الشمسية، والأمبيرات، والدراسة خلال فترات النهارأو في ساعات قليلة يتوفر فيها التيار.
تعليم تحت الشجرة
في مشهد بات مألوفاً، نشاهد صوراً على مواقع التواصل الاجتماعي لأساتذة يفترشون الشارع بحواسيبهم لتعليم طلابهم، ويقول الأستاذ عصام، وهو أحد هؤلاء المعلمين: عند التاسعة صباحاً، أتوجه مع طلابي إلى ساحة قريبة من الحي بسبب انقطاع الكهرباء وضعف الإنترنت، نفترش الأرض ونبدأ بالدرس.
ويضيف: إن حالته ليست استثنائية، فالكثيرمن المعلمين يعانون مثله، ولاسيما أن رواتبهم لا تتجاوز 50 دولاراً قبل الزيادة الأخيرة، وهو مبلغ لا يكفي حتى لأبسط مقومات العيش.
واقع التعليم الحالي ينذر بتكريس “تفاوت طبقي” واضح، فبينما يحظى أبناء الأسرالميسورة بوسائل الراحة والتقنيات اللازمة للدراسة من منازلهم، يحرم أبناء الأسرالفقيرة من هذه التسهيلات، فيعتمدون على الدراسة الجماعية في أماكن تتوفر فيها الإنارة، وهو ما يعمق الفجوة التعليمية بين الطبقات الاجتماعية المختلفة.
يقول الأستاذ إبراهيم، مدرس لغة إنكليزية: إنه يعتمد على تطبيق واتساب للتواصل مع طلابه، لكنّه يواجه صعوبة لأن بعضهم لا يملك هواتف ذكية أو أجهزة قديمة من دون سعة تخزين كافية، والتكنولوجيا، تحوّلت من أداة دعم للتعلم، إلى عبء إضافي على المحرومين منها.
تأمين أماكن دراسية
تزداد الضغوط خلال أيام الامتحانات، وتسجل درجات الحرارة ارتفاعاً كبيراً، ويعيش الأهالي في حالة ترقب وانتظار لساعات الكهرباء القليلة، أو يفكرون بالبدائل، ما يزيد الأعباء المادية.
اقترح بعض الأهالي إطلاق مبادرات مجتمعية لتأمين أماكن دراسية مهيئة تساعد أبناءهم على اجتيازهذه المرحلة المفصلية من حياتهم، فالوضع المعيشي الصعب فرض تحدياً كبيراً، فأصبح تأمين المستلزمات الدراسية الأساسية مهمة شاقة، خاصة لمن يعتمدون كلياً على ذويهم في المصروف، ويقول الطالب إسماعيل، وهو في الصف التاسع ويعيد الامتحان هذا العام : لا تتوفر الكهرباء، ولا البدائل، كما أن الإمكانات المادية محدودة تماماً، فالطالب بحاجة لمصروف شهري ضخم حتى يدرس من دون عوائق.
رؤية نفسية
الاختصاصي النفسي حيدر السلامة يؤكد على ضرورة تفهم التحديات النفسية التي يعاني منها الطلاب، مشدداً على أن تركهم لمواجهة اليأس وحدهم أمر “غير أخلاقي”، يرى السلامة أن الواجب يحتم على الجميع تقديم الدعم النفسي والتعليمي، وتسهيل الظروف بدلاً من تعقيدها، في ظلّ الانقطاعات الطويلة للكهرباء، وضعف الإمكانيات المادية لمعظم الأسر.
ويضيف السلامة: رغم الظروف القاسية، يظهرون مرونة لافتة، ويدرسون في ساعات النهار باستخدام ضوء الشمس، أو يستعينون بمصابيح البطاريات أو الشموع ليلاً، بعض الأسر توفر ألواحاً شمسية صغيرة أو مولدات رغم تكلفتها العالية، ويلجؤون إلى التعاون وتبادل الملاحظات والملخصات الورقية لتقليل الاعتماد على الأجهزة الإلكترونية.
وفي بعض القرى بحسب السلامة، يجتمع عدد من الطلاب في منزل واحد يتوفر فيه التيار الكهربائي أو وسيلة إنارة بديلة، ويبذل المعلمون جهوداً مضاعفة، يوزعون نسخاً ورقية من الدروس أو تسجيلات صوتية بسيطة تستهلك طاقة منخفضة، لنصل في النهاية إلى نتيجة مفادها: إن دعم هذه الجهود، سواء من المجتمع المحلي أو الجهات المعنية، لم يعد رفاهية بل ضرورة لحماية مستقبل جيل بأكمله.
بات من الصعب عليهم إنجاز واجباتهم أو المذاكرة كما ينبغي، معظمهم يعتمد على الدراسة في ساعات النهار لتجنب ظلمة ليل تفرضها انقطاعات متكررة للكهرباء، في بعض الأحيان، يضطر البعض للتوجه إلى المكتبات العامة أو أماكن تتوفر فيها الكهرباء، بهدف استكمال تحصيلهم الدراسي، بينما يتعلمون- مرغمين- كيف يتأقلمون مع ظروف قاهرة فرضتها سنوات الحرب، وأهملت فيها البنى التحتية بالكامل، وأزمة الكهرباء أبرزعائق يواجه الطلاب.
الأهالي أمام خيارات مرهقة مثل الاشتراك بالأمبيرات أو الطاقة الشمسية، وهي حلول مكلفة ولا تتوفر لمعظم العائلات بسبب الظروف المعيشية القاسية، إذ لا يمكن القبول بأن يقال :إن طلاب محافظة حلب غير مهيئين دراسياً لأسباب خارجة عن إرادتهم، لتتحول هذه التحديات إلى مصدر ضغط نفسي، إذ عبر العديد منهم عن الشعور بالإرهاق، بل إن بعضهم بات يرى التعطيل عن الدراسة وسيلة للراحة من ” كابوس التعليم” في ظلّ هذا الواقع المحبط.