الثورة – إخلاص علي:
في إطار العمل لمد جسور التوازن بين ما هو مطلوب لتحسين مستوى المعيشة، وما هو ممكن في ظل الموارد المتاحة، جاء المرسوم الرئاسي بزيادة الرواتب والمعاشات بنسبة 200 بالمئة، رافعاً راتب الموظف والمعاش التقاعدي، وشاملاً العمالة المؤقتة بنسب متفاوتة.
وفي هذا السياق قال الخبير الاقتصادي الدكتور محمد كوسا في حديث خاص لـ”الثورة”: لا شك أن هذه الزيادة تمثل بارقة أمل حقيقية للموظفين والمتقاعدين الذين طال انتظارهم لأي تحسن ملموس، لكن نجاحها لا يُقاس بالأرقام المجردة، بل بقدرة الحكومة على ضبط السوق ومنع جشع بعض التجار من التهام ما تحقق إضافة إلى إدارة مالية رشيدة تُوازن بين دعم القوة الشرائية ومكافحة التضخم ورؤية اقتصادية شاملة تنقل البلاد من الإسعافات الاقتصادية إلى مرحلة التعافي الحقيقي.
ويرى الخبير كوسا أن مرسوم زيادة الرواتب أتى كخطوة “إسعافية” ذات طابع مزدوج، تمزج بين الطابع الاجتماعي والإلحاح الاقتصادي.
ولكن الأمر بحسب كوسا يتطلب تكاتفاً حكومياً شاملاً، وخطة اقتصادية واضحة، وإرادة سياسية حقيقية لا تكتفي بالمُسكنات، بل تسعى إلى بناء واقع اقتصادي أكثر عدلاً واستدامة.
وتابع كوسا حديثه بالقول: كما هو معروف في علم الاقتصاد سرعان ما تُختبر زيادة الرواتب في واقع السوق، ولا يكفي ضخ المال من دون ضبط الأسعار، مشيراً أن التجارب السابقة مع زيادات الرواتب بيّنت أن السوق سرعان ما يستجيب لها بارتفاع فوري في أسعار السلع الأساسية، بنسبة تتراوح بين 40 بالمئة و60 بالمئة، ما يعني أن القيمة الحقيقية للزيادة قد تتآكل، فبدلاً من 200 بالمئة، لا تزيد الزيادة الفعلية عن 140 بالمئة، وهنا تبرز الحاجة الملحة لتدخل حكومي منظم ومدروس، فلابد من ضبط الأسعار عبر الرقابة التموينية الحازمة من قبل وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك وتحجيم السيولة الزائدة عبر أدوات نقدية تكميلية من قبل الجهات المالية.
كوسا أكد أهمية تفعيل قنوات الشكاوى المجتمعية، وتكثيف الدور الرقابي في الأسواق، خاصةً في المحافظات التي تعاني من تفاوت سعري يصل إلى 35 بالمئة.
وبالحديث عن ايجابيات وسلبيات مرسومي الزيادة قال: ستساهم زيادة الرواتب في تحفيز الطلب المحلي بنسبة تقدر بـ 25 بالمئة وهو ما قد ينعش الأسواق مؤقتاً وتحسين مؤشرات التنمية البشرية المرتبطة بالصحة والتغذية والتعليم، بينما معدلات التضخم مرشحة للارتفاع إلى 120 بالمئة سنوياً إن لم يتم التدخل المالي الحكيم، عدا عن انخفاض إضافي بقيمة الليرة السورية قد يصل إلى 25 بالمئة ما يضاعف الضغط على الأسر وعجز مالي حكومي قد يبلغ 18 بالمئة من الناتج المحلي، إذا لم تقابل الزيادة بإصلاحات هيكلية وتعزيز الإيرادات.