الثورة -فردوس دياب:
استيقظ العالم في 21 آب 2013 على واحدة من أبشع الجرائم في تاريخ الحروب، وهي مجزرة الغوطة، والتي استخدم فيها النظام البائد السلاح الكيميائي، وهو الأمر الذي فاقم من عدد الضحايا الذين بلغ عددهم أكثر من ألف مدني جلّهم من النساء والأطفال.
هذه الجريمة لم تكن مجرد انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني، بل شكّلت تحدياً مباشراً للنظام الدولي برمته، إذ مثّلت خرقاً فاضحاً للحظر القطعي على استخدام الأسلحة الكيميائية.
حول أبعاد هذه الجريمة المروعة لجهة محاسبة المجرمين وتحقيق العدالة الانتقالية، التقت صحيفة الثورة، الباحث في القانون الدولي المحامي أحمد عبد الرحمن، والذي استهل حديثه بالقول: “المفارقة أن سوريا في عهد النظام البائد قد انضمت إلى اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية عام 2013 وأصبحت عضواً في منظمة حظر الأسلحة الكيميائية (OPCW)، ما يعني أنها التزمت قانونياً ودولياً بالتخلي عن هذه الترسانة وعدم استخدامها تحت أي ظرف، ومع ذلك، أُثبت لاحقاً عبر تحقيقات آليات الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية أن القوات الحكومية السورية للنظام المخلوع استخدمت هذه الأسلحة في مناسبات عدة، في انتهاك مزدوج، أولًا لالتزاماتها الدولية، وثانياً للمعايير الإنسانية الأساسية.
وأضاف، إن المحاسبة على هذه الجرائم لا تمثل خياراً سياسياً أو رغبة أخلاقية فقط، بل التزام قانوني وأممي، فالإفلات من العقاب يقوّض ثقة السوريين بالعدالة ويبعث برسالة خطيرة للعالم، مفادها أن ارتكاب جرائم الحرب يمكن أن يمرّ بلا عواقب، وأن غياب المحاسبة لا يعمّق جراح الضحايا وحسب، بل يشجّع على تكرار الانتهاكات في سوريا وفي أماكن أخرى.
وأكد الباحث أن التركيز على المحاسبة في إطار العدالة الانتقالية يكتسب أهمية مضاعفة للأسباب التالية، لأن ذلك يكون في سياق التزامات دولية قائمة، فقبول سوريا بعضوية منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، يعني ارتباطها قانونياً بآليات الرقابة والتحقيق، و تجاهل المحاسبة يضعف مصداقية الاتفاقية نفسها ويقوّض المنظومة الدولية لحظر هذه الأسلحة.
كذلك أن المحاسبة ضرورية لردع الانتهاكات المستقبلية، فالتجارب الدولية أثبتت أن عدم محاكمة المسؤولين عن الجرائم الجسيمة يفتح الباب أمام تكرارها، فالمحاسبة هي الضمانة الوحيدة لعدم العودة إلى استخدام هذه الأسلحة.
كذلك حق الضحايا في العدالة الانتقالية التي تقوم على أركان، أهمها المحاكمة، جبر الضرر، وكشف الحقيقة، وضحايا الغوطة وغيرهم من السوريين يملكون حقاً أصيلاً في معرفة من أمر ونفّذ هذه الجرائم، وفي رؤية العدالة تُطبَّق بشكل ملموس.
كما أن المحاسبة بحسب عبد الرحمن أساسية لإرساء سلام مستدام، أي عملية سياسية في سوريا لا تتضمن آليات واضحة للمساءلة ستظل هشّة، فالعدالة لا يمكن أن تكون ثمناً للتسويات السياسية، بل أساس لها.
وختم المحامي أحمد عبد الرحمن بالقول: إن المحاسبة عن مجزرة الغوطة وسائر المجازر الكيميائية ليست مجرد قضية سورية داخلية، بل قضية تمسّ الأمن والسلم الدوليين، لذلك فإن مسؤولية المجتمع الدولي، إلى جانب السوريين أنفسهم، تكمن في عدم ترك هذه الجرائم دون عقاب، وإدماجها في أي مسار للعدالة الانتقالية، فبدون محاسبة، لا يمكن أن تكون هناك مصالحة، ولا يمكن للسلام أن يقوم على أساس متين.