الثورة – فؤاد الوادي:
حاولت ما تسمى بـ” الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا” تقديم نفسها كنموذج لحكم بديل يقوم على اللامركزية والديمقراطية، والاسقلالية السياسية والاقتصادية، لكن هذه الطموحات التي لا تزال حية عند بعض المكونات الكردية، سرعان ما تبخرت على الأرض، لأنها اصطدمت بواقع وطني وإقليمي ودولي وجيوسياسي أقوى وأصلب منها ، هذا بالاضافة إلى عدة عوامل داخلية كانت سبباً إضافياً لإفشالها، بالرغم من محاولات بعض المكون الكردي التشبث بها، وتسويقها على أنها كانت خلال سنوات الثورة السورية ” تجربة ناجحة”، بينما هي في حقيقة الأمر، طعنة في ظهر الوطن، ومحاولة يائسة لتقسيمه تنفيذاً لآجندات ومشروعات خارجية تهدف إلى جعل سوريا ضعيفة ومفككة.
صحيفة عكاظ السعودية تناولت هذا الموضوع بشئ من التفصيل، وذلك في مقال للكاتب رامي الخليفة العلي، حمل عنوان “عوامل فشل الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا”، حيث أكدت أن تجربة ” الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا” واجهت عقبات بنيوية حالت دون نجاحها، وهو الأمر الذي جعلها بنظر قوى إقليمية تشكل تهديداً لوحدة واستقرار سوريا.
وقالت الصحيفة السعودية: ” نشأت الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا في ظل الفراغ الأمني والسياسي الذي نتج عن انسحاب مؤسسات الدولة السورية من هذه المناطق مع بدايات الثورة السورية، حيث تمكّنت القوى الكردية وعلى رأسها وحدات حماية الشعب من فرض سيطرتها وتنظيم إدارة محلية بدعم مباشر من الولايات المتحدة والتحالف الدولي تحت شعار محاربة تنظيم داعش.
وأضافت ” عكاظ ” إنه مع توسع التجربة إلى ما سُمّي بالإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، حاولت هذه القوى تقديم نفسها كنموذج حكم بديل يقوم على اللامركزية والديمقراطية المحلية، مع وعود برفع مستوى التمثيل السياسي وتحقيق العدالة الاجتماعية.
غير أن هذه التجربة سرعان ما واجهت عقبات بنيوية حالت دون نجاحها أو إمكانية تعميمها على باقي سوريا.
وأوضحت الصحيفة أنه من الناحية السياسية، تأسست الإدارة على مشروع أيديولوجي ضيق ذي طابع قومي، وهو ما جعلها بعيدة عن التوافق الوطني وهو ما أثار تحفظات واسعة لدى المكوّن العربي في المنطقة وسائر السوريين، إذ نظر كثيرون إليها بوصفها مشروعاً موجهاً لخدمة طرف محدد على حساب بقية الأطراف، كما أن محاولاتها لإضفاء طابع ديمقراطي من خلال المجالس المحلية لم تحقق نتائج ملموسة بسبب غياب المشاركة الواسعة والاتهامات بالتهميش.
وبينت أنه من الناحية العسكرية، فقد اعتمدت بشكل شبه كامل في ذراعها العسكري قوات سوريا الديمقراطية (قسد) على الحماية والدعم الخارجي، خاصة من الولايات المتحدة، ما جعل وجودها رهينة لتقلبات الموقف الدولي وفاقداً لأي استقلالية حقيقية، وهو ما ظهر بوضوح في لحظات التردد الأميركي أو عند تغير الأولويات الإستراتيجية لواشنطن، ما وضع مصيرها في مهب الريح.
أما على الصعيد الاقتصادي، فقد عانت بحسب الصحيفة السعودية، من قصور كبير في إدارة الموارد رغم سيطرتها على ثروات نفطية وزراعية مهمة، إذ تركزت السياسات على استغلال النفط والغاز دون تنمية القطاعات الإنتاجية الأخرى أو إعادة استثمار العائدات في بنى تحتية حديثة، ما أدّى إلى تراجع الخدمات العامة، وانخفاض مستوى المعيشة، واستمرار الفجوة الاجتماعية، كما أن هذه السياسات أدت إلى زيادة هجرة الشباب وتفاقم معدلات البطالة، فضلاً عن ازدياد الشكوى من سوء توزيع العائدات وغياب الشفافية.
وتابعت الصحيفة تقول:” أما اجتماعياً، فإن الإدارة لم تنجح في بناء عقد اجتماعي جامع، إذ بقيت حالة التوتر بين العرب والكرد وبقية المكوّنات قائمة، مع اتهامات متكررة بالتمييز في توزيع الموارد والمناصب، وفرض سياسات أمر واقع في المناطق ذات الأغلبية العربية، وهو ما زاد من حدة الانقسام وأفقد “التجربة” مصداقيتها على المستوى الشعبي.
وفيما يتعلق بالجانب الإقليمي والوطني، فقد بقيت هذه الإدارة كياناً غير معترف به، فدمشق ترفض الاعتراف بشرعيتها، والقوى الإقليمية تنظر إليها بوصفها تهديداً لوحدة سوريا واستقرارها، خاصة تركيا التي تعتبرها امتداداً لحزب العمال الكردستاني، ما جعلها محاصرة سياسياً ومحدودة الخيارات، وإلى جانب كل ذلك اندلعت احتجاجات محلية متكررة بسبب سياسات التجنيد الإجباري والضرائب الباهظة وغياب العدالة في توزيع السلطة والثروة.
وختمت الصحيفة بالقول: ” إن كل هذه العوامل مجتمعة تؤكد أن الإدارة الذاتية غير قادرة على الاستمرار كنموذج للحكم أو أن تتحوّل إلى صيغة وطنية جامعة، وأن التعجيل في إيجاد تسوية شاملة لملف شمال شرق سوريا سيخدم أبناء المنطقة بالدرجة الأولى، إذ سيعيد لهم الاستقرار ويضمن حقوقهم ضمن إطار وطني متوازن، كما سيخدم الدولة السورية ووحدتها على المدى البعيد، ويمنع استمرار حالة الاستنزاف التي أرهقت الجميع”.
