من مأزق التمويل إلى هندسة الانتعاش.. خبير لـ”الثورة”: تحويل الليرة من “ضحية” المضاربات لأداة استقرار
الثورة – عامر ياغي:
حبس السيولة وأزمة التمويل، هي واحدة من الأسباب الرئيسية في الاقتصاد السوري التي تحتاج لإعادة النظر خلال المرحلة القادمة كوننا مقبلين على مرحلة جديدة، عنوانها العريض استقطاب رؤوس الأموال للاستثمار.
في هذا السياق يقول الخبير الاقتصادي والمصرفي الدكتور إبراهيم نافع قوشجي: إن جوهر المشكلات الاقتصادية في سوريا يتمثل في أزمة التمويل، أي في غياب الموارد النقدية الكافية لإعادة تحريك العجلة الاقتصادية.
ويضيف في حديثه لـ”الثورة”: إن هذه الأزمة تبدأ من ضعف السيولة في الجهاز المصرفي، وتعثّر تمويل مشاريع إعادة الإعمار وتحديث البنية التحتية والفوقية.
محفوف بالمخاطر
وقال قوشجي: لقد أثبتت التجربة أن الاعتماد على التمويل الخارجي محفوف بالمخاطر، بسبب تقلب المصالح الدولية وتضارب الأولويات بين الأجندات المحلية والخارجية لذلك لا مفر من العودة إلى الداخل واستثمار ما لدينا من بنى ومؤسسات مالية وطنية، وعلى رأسها المصارف العامة المنتشرة في مختلف المدن والبلدات السورية، والتي رغم حضورها الواسع، إلا أنها لم تلعب بعد دوراً فعّالاً في تحفيز الاستثمار، ولا في تقديم خدمات مصرفية جادة للمواطنين والمستثمرين.
ويرى الخبير الاقتصادي والمصرفي، أن إصلاح الجهاز المصرفي السوري يجب أن يتم وفق استراتيجية تعتمد على دمج المصارف الستة العامة “التجاري، الزراعي، العقاري، الصناعي، التسليف الشعبي، والتوفير” ضمن كيانين مصرفيين عملاقين، أحدهما متخصص في الاستثمار العقاري وإعادة الإعمار، والثاني في التمويل التجاري وتمويل التجارة الخارجية، وكلاهما يعمل وفق صيغ تمويل إسلامية مرنة لتعزيز الجاذبية لدى السوريين في الداخل والمغتربين.
وأضاف: لابد أيضاً من تحويل هذين الكيانين إلى ملكية مشتركة “عامة-خاصة” تُطرح للاكتتاب العام، بعد إعادة تقييم الأصول وبيع الفوائض لتعزيز الملاءة المالية، وإطلاق ميزانيات افتتاحية مستقلة، مع إمكانية مشاركة السوريين في الخارج بحصص تأسيسية بالدولار أو اليورو، مع تعزيز جاذبية العملة المحلية عبر آليات تمويل تشاركية تتعامل بالليرة تتيح ربطها بمؤشرات أداء دولارية واضحة، ما يساهم في تخفيف الضغط على سوق الصرف ويزيد الطلب على الليرة داخلياً.
منصة الكترونية
وتابع كلامه بالقول: إنه يجب العمل على إنشاء منصة إلكترونية متخصصة “Forex & Trade Gateway” مرتبطة بالمصرف التجاري الجديد، تتيح للتجار تمويل وارداتهم من خلال مزادات شفافة بالدولار المتوفر من الخارج “Remittance-backed”، ما يشجع السوريين في الخارج على التحويلات مقابل عائد استثماري ملموس، مع إطلاق شهادات إيداع بالدولار مضمونة العائد عبر هذه المصارف، مخصصة للسوريين في الخارج.
وأشار إلى ضرورة استخدام حصيلتها حصراً في تمويل التجارة الخارجية واستيراد مستلزمات الإنتاج، وليس الاستهلاك، إضافة إلى ربط أدوات السياسة النقدية بالسياسة التجارية، من خلال تحفيز الصادرات “خصوصاً الزراعية والحرفية” عبر تمويل موجه، واسترداد العوائد بالعملة الصعبة لصالح الجهاز المصرفي وليس السوق الموازي.
قوشجي ختم كلامه بالقول: إن حل معضلة تمويل الاقتصاد السوري وتوفر القطع الأجنبي، لا يكون في انتظار الخارج، بل في هندسة الداخل، عبر إعادة تشكيل الجهاز المصرفي بوصفه رافعة اقتصادية، لا مجرد ناقل للسيولة يمكن تحويل الليرة السورية من “ضحية” المضاربات إلى أداة استقرار ومن ورقة مقايضة إلى أصل استثماري، ولعل هذه الرؤية تضع الحجر الأول في جدار التعافي الحقيقي، المستند على الثقة الداخلية والشراكة الوطنية.