الثورة أون لاين – عبد الحليم سعود:
رغم مضي ثلاثة وخمسين عاماً على احتلال الجولان العربي السوري من قبل عصابات الكيان الصهيوني الغاصب، ومرور تسعة وثلاثين عاما على قرار الكنيست الإسرائيلي المشؤوم بإعلان ضمه إلى الكيان الصهيوني ومحاولات فرض الهوية الإسرائيلية بالقوة على أهلنا الشرفاء المتجذرين هناك، إلى جانب بقية الإجراءات الاحتلالية والاستيطانية وآخرها محاولة تركيب توربينات عملاقة “مراوح هوائية” لتوليد الكهرباء على أراضي الجولانيين بهدف سرقتها والاستيلاء عليها، رغم مضي كل هذه السنوات بقي الجولان بأهله الشرفاء المقاومين محافظاً على هويته العربية السورية، وظل شوكة في حلق الاحتلال الذي لم تسعفه كل إجراءاته التعسفية وسياسات الترغيب والترهيب وجرعات الدعم الأميركي غير المحدود في التخلص منها، وقد أثبتت سنوات الحرب الإرهابية الظالمة على سورية، التي فرزت الوطني الأصيل عن العميل المأجور، أصالة أبناء الجولان المحتل، وفشل كل محاولات الاحتلال لفصلهم عن وطنهم وإبعادهم عن هموم وطنهم وشعبهم داخل الوطن.
لقد شكل قرار الضم الإسرائيلي المشؤوم للجولان السوري المحتل في 14 كانون أول عام 1981 شرارة لتفجر بركان غضب في وجه سلطات الاحتلال الإسرائيلي، إذ وقف أبناء الجولان وقفة عز وكبرياء وتحدٍ معلنين رفضهم التام لهذا القرار الظالم، وأعلنوا الإضراب العام المفتوح احتجاجاً على الاحتلال وإجراءاته، كما أعلنوا تمسكهم بانتمائهم العربي السوري أرضاً وهوية، وطالبوا الاحتلال بإنهاء إجراءاته القمعية وإطلاق سراح المعتقلين.. وأصدروا بياناً بالإضراب العام والشامل بعنوان (الدعم كل الدعم للجولان المحتل) قائلين فيه: (نحن نقف بصلابة في سبيل كرامتنا وأخلاقنا الوطنية غير القابلة لأي تغيير أو تبديل، ونرفض الذل والتخاذل، ولذلك اتخذنا قرارنا بالإضراب العام والمفتوح حتى نحقق مطالبنا).
في المقابل قامت سلطات الاحتلال باتخاذ خطوات وإجراءات لتكريس ضمها للجولان المحتل عبر الاستيلاء على جهاز التعليم وإلغاء المنهاج الدراسي السوري لفصل أبناء الجولان السوري عن هويتهم الوطنية، كما عمدت إلى تعيين مجالس محلية تتولى تنفيذ سياستها ومخططاتها العنصرية إضافة إلى ربط أهل قرى الجولان باقتصادها فأصبح التعامل يتم بعملة الاحتلال وحصر التعامل بأسواقه سواء في استيراد المؤن أو توريد المحاصيل الزراعية.
كما استولت سلطات الاحتلال على مصادر المياه بما فيها بحيرة مسعدة التي يقدر مخزونها بنحو 2ر3 ملايين متر مكعب من المياه فحرم أهلنا في الجولان من استثمارها تحت الضغط لتضخ مياهها إلى المستوطنات الإسرائيلية، عدا عن مصادرة آلاف الدونمات الزراعية بحجة أنها مناطق عسكرية مغلقة بعد زرعها بالألغام وضرب طوق من الأسلاك الشائكة حولها.
كذلك عمدت سلطات الاحتلال أيضا إلى استثمار الجولان السوري سياحياً بعد محاولتها تهويد الأرض وطمس آثارها العربية وزرعها بالآثار اليهودية المصطنعة فسيطرت على منتجع بانياس والحمة وجبل الشيخ بينما تصاعدت الإجراءات التعسفية بحق أهلنا هناك من خلال الضرائب التي تقتطع قسرا إضافة إلى حملات المداهمة والاعتقال بحجج وذرائع مختلفة.
ممارسات الاحتلال التعسفية تمت مواجهتها بكل شجاعة وعناد من قبل أبناء الجولان الشرفاء، حيث تصاعدت مقاومتهم بشكل مطرد ضد الاحتلال، إذ أعلنوا في أكثر من مناسبة ووثيقة وطنية موقفهم الثابت بأن الجولان المحتل هو جزء لا يتجزأ من أرض سورية ولا يجوز التنازل أو التخلي عن شبر منه للمحتلين الإسرائيليين، مؤكدين عدم اعترافهم بأي قرار تصدره سلطات الاحتلال بخصوص ضم الجولان، ورفضهم القاطع لقرارات حكومة الاحتلال الهادفة إلى سلبهم شخصيتهم العربية السورية، ولعل الجميع يتذكر مواجهات عام 1982 بين أبناء الجولان وقوات الاحتلال وتمزيق الهويات الإسرائيلية ورميها في وجوه جنود الاحتلال تعبيراً عن رفضهم التعامل معها.
ولم تتوقف مقاومة أهلنا في الجولان للاحتلال تحت تأثير سياسة البطش والقمع والاعتقالات والمحاكمات التعسفية بل ظلت مستمرة، وهي تتجدد في كل عام مع الذكرى السنوية لقرار الضم عبر فعاليات ومظاهر شعبية مختلفة، ما يثبت فشل قرار سلطات الاحتلال واستحالة تطبيقه على أرض الواقع، وكان لأبناء الجولان مواقف مشرفة وثابتة خلال الحرب الإرهابية التي تستهدف وطنهم الأم تؤكد أصالتهم ووطنيتهم وانتماءهم، فخلال قيام الكيان الصهيوني بدعم ومؤازرة إرهابيي جبهة النصرة ومعالجة مصابيهم انطلاقاً من الجولان شكّل أبناء الجولان المحتل امتدادا طبيعياً لأهلهم المقاومين على الطرف الآخر من الحدود، معبرين عن تضامنهم مع وطنهم الأم سورية ووقوفهم إلى جانبها ضد الحرب الإرهابية التي تستهدفها، ما أزعج الاحتلال وأربك حساباته ودفعه للقيام بإجراءات قمعية ضدهم لكن إجراءاته بقيت عاجزة أمام صمود أهلنا الصامدين وتمسكهم بوطنهم ودفاعهم عنه.
لاريب بأن إصرار الاحتلال على القيام بالمزيد من الخطوات التصعيدية ضد أهلنا في الجولان ومحاولات الاستيلاء على أراضيهم الزراعية بطرق مختلفة، وإقامة مشاريع استيطانية عليها، ومحاولته الحصول على اعتراف دولي بسيادته عليها، وكذلك السماح بزيارات استفزازية لمسؤولين صهاينة وأميركيين إلى الجولان المحتل، والسعي لتطبيع علاقاته مع محور التخاذل العربي، كل ذلك يؤكد شكوك وهواجس المحتل الإسرائيلي بعدم قدرته على البقاء في هذه الأرض طويلاً، وقرب زوال احتلاله وخروج عصاباته ومستوطنيه من هذه الأرض الطاهرة مهزومين مدحورين، ففي الجولان المحتل وعلى مقربة من جبل الشيخ دارت معارك اليرموك وحطين وعين جالوت وتشرين حيث كان التاريخ شاهداً حياً على انتصار أبناء هذه الأرض وعودة الحقوق إلى أصحابها.