“الليبرالية الجديدة”.. شعارات براقة وتطبيقات متوحشة

الثورة أون لاين – عبد الحليم سعود

تتلطى الليبرالية الجديدة أو الحديثة خلف الكثير من الشعارات الجذابة لكسب التعاطف معها وتحسين فرص تبنيها من قبل شرائح المجتمع والنخب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية..الخ، كتقديس الحرية الفردية وحرية الفكر المطلقة ومساواة المرأة بالرجل، والمطالبة بإصلاح الدين، وفصل الدين عن الدولة، وإخضاع المقدس والتراث لما يسمى “النقد العلمي”، وتطبيق ما يسمى “الاستحقاقات الديمقراطية”.
وهي شعارات ملتبسة لكل منها أهداف وغايات بعيدة كل البعد عن المعنى المجرد للمصطلح، وهي بنفس القدر بعيدة أيضاً عن مصالح مجتمعاتنا الشرقية التي تملك عادات وتقاليد إنسانية متجذرة ومستمدة من إرثها الحضاري العريق وعقيدتها السمحة التي يحاول الأعداء تشويهها باستمرار عبر وصمها بالتخلف والتطرف والإرهاب.
ولو تمعنا بتطبيقات مفاهيم الليبرالية الحديثة على أرض الواقع حتى في المجتمعات الغربية، لاكتشفنا حجم الرفض الشعبي لها ، وكمية الخداع والنفاق اللذين تنطوي عليهما، وحجم الغايات الدنيئة التي يراد تمريرها لخدمة قلة من أثرياء العالم الرأسمالي الغربي المتوحش الذي يريد أن يهيمن على العالم فكرياً وثقافياً وسياسياً كي يتمكن من تفكيك مجتمعاته وبالتالي السيطرة عليه اقتصادياً، وصولا إلى نهب ثرواته وخيراته، لأن الغايات مادية بحتة في النهاية، وتخضع للغة المصالح الخاصة أو ما يسمى البراغماتية.
فما مصلحة مجتمعنا “على سبيل المثال” بالتخلي عن لغته العريقة، لغة القرآن والشعر والأدب والفكر ، والاستعاضة عنها بلغة المال والتجارة والعلاقات الاستهلاكية الرخيصة، وإلغاء العادات والتقاليد الأصيلة التي تحصنه ضد كل أشكال الانحطاط الاجتماعي والانحلال الأخلاقي الزاحف إليه عبر الميديا ووسائل التواصل الاجتماعي المسيسة وغير المنضبطة والتي أفرزتها قيم وممارسات العولمة الغربية ذات النزعة المادية والاستهلاكية ؟!.
من المعروف أن الليبرالية الجديدة التي يتم الترويج لها على نطاق واسع حالياً ولها منظرون وأحزاب ونخب حتى في عالمنا العربي تمتاز بملامح ومواصفات كثيرة منها :
أولاً – تشجيع هيمنة السوق ، وما يعنيه ذلك من رفع كافة القيود التي تفرضها الحكومات على المشروعات الخاصة، مهما كانت التبعات الاجتماعية والأضرار التي يتسبب فيها هذا الرفع، والدفع بالمزيد من الانفتاح على التجارة والاستثمار الدولي، وتخفيض الأجور، وحل النقابات العمالية ، وتهميش العمال والانتقاص من الحقوق التي حصلوا عليها عبر سنوات من الكفاح، وعدم تدخل الجهات الحكومية لضبط الأسعار، وإتاحة الحرية الكاملة لحركة رؤوس الأموال والبضائع والخدمات بغض النظر عن مصدرها، وقد دفعت بعض دول الاتحاد الأوروبي أثمانا باهظة لمثل هذه السياسات في السنوات الماضية وأصيبت بالعجز الاقتصادي والإفلاس وأصبحت تتلقى المساعدات من دول أخرى بدل أن تقف على قدميها .
ثانياً – الدعوة إلى تقليص الإنفاق على الخدمات الاجتماعية مثل التعليم والرعاية الصحية، وتخفيض الإنفاق على الضمان الاجتماعي وصيانة الطرق وخدمات المياه النظيفة والكهرباء، تحت مسمى تقليص دور الدولة في حياة الناس، في مقابل دعم الدولة للأثرياء ورجال الأعمال على حساب بقية الشرائح الفقيرة.
ثالثاً – الدعوة إلى تقليص التدخل الحكومي في الأسواق بما قد يؤدي إلى خفض نسبة الربح لدى المستثمرين والصناعيين وكبار التجار وأصحاب رؤوس الأموال “المجهولة المصدر”، ولو أدى ذلك إلى تهديد البيئة والأمان الصناعي وهو ما شجع الولايات المتحدة على الانسحاب من اتفاقية المناخ وما يترتب عليها من التزامات تجاه البيئة والتغير المناخي وانبعاث الغازات المضرة بالبيئة .
رابعاً – تشجيع بيع المشروعات والبضائع والخدمات التي تمتلكها الدولة إلى القطاع الخاص أي ما يعرف ب”الخصخصة”، ويتضمن هذا بيع البنوك والصناعات الحيوية والسكك الحديدية والكهرباء والمدارس والمستشفيات، وغيرها، ورغم أن البيع يتم بحجة البحث عن كفاءة الإدارة والحد من العجز، إلا أنه أدى في كثير من الحالات إلى مزيد من تركيز الثروة في يد قلة من رجال الأعمال، واضطرت الشريحة الأوسع إلى دفع المزيد مقابل احتياجاتها وهو ما ساهم بزيادة الفقراء .
خامساً – القضاء على مفهوم “الصالح العام” أو “المجتمع”، واستبداله بمصطلح “المسؤولية الفردية”، والضغط على الشرائح الأفقر في المجتمع من أجل البحث عن حلول لمشاكلهم الخاصة بنقص الرعاية الصحية والتعليم والضمان الاجتماعي بأنفسهم، وإذا فشلوا في إيجاد الحلول، يتم توجيه اللوم إليهم باعتبارهم “كسالى”.
أما على الصعيد السياسي فقد لوحظ تركيز دعاة الليبرالية الجديدة على العديد من القضايا التي أفرزت أزمات سياسية وحروب وتدخلات خارجية كان لها وقع كارثي على الدول والمجتمعات إلى جانب ضياع الحقوق والمكتسبات ومن هذه الطروحات والأفكار :

1- الدعوة إلى تحجيم دور المؤسسات الدينية بما في ذلك الدور التوعوي الذي يدعو للتمسك بالأخلاق والقيم بحجة أنها بؤرة لصناعة التطرف، في حين صدرت الدول الليبرالية أغلب العناصر المتطرفة لداعش في السنوات الماضية وتعاونت مع أكثر الأنظمة تطرفا وارهابا .
2 – الدعوة للاستعانة بالقوى الخارجية من أجل التغيير والإصلاح كما جرى في العديد من الدول العربية، وذلك بحجة تطبيق الديمقراطية الغربية، وقد جر ذلك حروباً ونزاعات وكوارث راح ضحيتها مئات الآلاف من الأبرياء ودمرت بلدان بسبب تبني مثل هذه الطروحات والأفكار.
3- لا حرج لدى الليبراليين العرب مثلاً في أن يأتي الإصلاح من الخارج .. سواء أتى على ظهر جمل عربي أو على دبابة بريطانية أو بارجة أمريكية أو غواصة فرنسية.
4 – التسويق والترويج أن لا حل للصراع العربي الصهيوني إلا بالحوار والمفاوضات وما يسمى الحل السلمي ، وكان من نتيجة ذلك السقوط في فخ التطبيع المجاني مع الكيان الصهيوني بينما بقيت الأراضي العربية محتلة وحقوق الفلسطينيين ضائعة ومغتصبة.
5 – الإيمان بالتطبيع السياسي والثقافي مع الأعداء والخصوم دون الأخذ بالاعتبار خصوصية مجتمعاتنا وثقافتها، ودون مراعاة الرأي العام الجماهيري المناهض لذلك.
6- الاعتراف بالواقعية السياسية بمعنى التسليم بقوة الأعداء ونبذ فكرة المقاومة والتمسك بالحقوق وما يعني ذلك من تسليم بالهزيمة النفسية والعسكرية دون خوض حرب.
وبذلك يحقق أعداء الأمة أهدافهم ومشاريعهم بأدنى كلفة في منطقتنا كما تفعل أميركا، حيث تتعامل مع الكثير من دولها كتوابع وأدوات دون مراعاة لمصالح شعوبها، ما يجعل الليبرالية الحديثة أبرز أعداء الشعوب الساعية للاستقلال وتحرير أراضيها وصيانة حقوقها

آخر الأخبار
حملة تلقيح اصطناعي للأبقار في ريف دير الزور حرائق اللاذقية الأكبر على مستوى سوريا... والرياح تزيد من صعوبة المواجهة تحذير من خطر الحيوانات البرية الهاربة من النيران في ريف اللاذقية مدير المنطقة الشمالية باللاذقية: الحرائق أتت على أكثر من 10 آلاف هكتار عودة جهاز الطبقي المحوري إلى الخدمة بمستشفى حمص الوطني الشيباني يبحث مع وفد أوروبي تداعيات الحرائق في سوريا وقضايا أخرى تعزيز دور  الإشراف الهندسي في المدينة الصناعية بحسياء وحدة الأوفياء.. مشهد تلاحم السوريين في وجه النار والضرر وزير الصحة يتفقد المشفى  الوطني بطرطوس : بوصلتنا  صحة المواطن  الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش بريف دمشق  تعقد أولى اجتماعاتها  لأول مرة باخرة حاويات كبيرة تؤم مرفأ طرطوس  فروغ المحال التجارية والبحث عن العدالة.. متى ظهرت مشكلة الإيجار القديم أو الفروغ في سوريا؟ وزارة الإعلام تنفي أي لقاءات بين الشرع ومسؤولين إسرائيليين معرض الأشغال اليدوية يفرد فنونه التراثية في صالة الرواق بالسلميّة تأهيل شبكات التوتر المتوسط في ريف القنيطرة الشمالي مُهَدّدة بالإغلاق.. أكثر من 3000 ورشة ومئات معامل صناعة الأحذية في حلب 1000 سلة غذائية من مركز الملك سلمان للإغاثة لمتضرري الحرائق بمشاركة 143 شركة و14 دولة.. معرض عالم الجمال غداً على أرض مدينة المعارض مناهج دراسية جديدة للعام الدراسي القادم منظمة "بلا حدود" تبحث احتياجات صحة درعا