بريطانيا وتركيا تطوّران تحالفهما .. ما الدوافع ؟

الثورة أون لاين – ترجمة ليندا سكوتي:

في أعقاب ما حدث من تغييرات طرأت على التعاون السياسي والاقتصادي والعسكري في أوروبا إثر خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ، ثمة تقارب حصل بين لندن وأنقرة في نواح متعددة ، ذلك لأن بريطانيا تمثل ثاني أكبر مستورد للبضائع التركية بعد ألمانيا ، فضلاً عن قيام قرابة 2،5 مليون بريطاني بقضاء إجازاتهم في تركيا سنوياً ، وبالمقابل فإن ثمة حوالي 100 ألف تركي يزورون المملكة المتحدة في كل عام ، وترى لندن أن تعزيز العلاقات مع تركيا ذو أهمية بالغة لكونه يبرهن على جدوى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ، ويوفر لها علاقات تجارية واقتصادية بعد خسارتها لتلك العلاقات مع أوروبا .
لا ريب بأن ريتشارد مور (الذي كان سفيراً لبريطانيا في تركيا منذ كانون الثاني عام 2014 وعهد إليه بمنصب رئيس الاستخبارات الخارجية البريطانية مؤخراً) قد لعب دوراً بارزاً في تطور العلاقات بين البلدين خلال السنوات الأخيرة ، إذ بعد سنتين من تعيينه شهدت تركيا محاولة انقلاب سياسي ، ولكن بذريعة اتخاذ الإجراءات الطارئة تمكن أردوغان التخلص من خصومه والصحفيين والنخبة العسكرية والسياسية التي توجه له الانتقاد ، بالإضافة إلى قيامه بتغييرات في النظام الرئاسي وتوسيع صلاحيات رئيس البلاد ، كما أجرى تعديلات دستورية تحدد حكمه في المستقبل بحيث يستطيع الاستمرار في منصبه لغاية عام 2029 .
ويبدو أن ردود أفعال السلطات التركية على الانقلاب وتنامي استبداد أردوغان قد تسبب بتراجع في علاقاته مع العديد من القادة الأوروبيين الذين قطعوا صلاتهم بتركيا من جراء الانتهاكات الممنهجة لحقوق الإنسان بذريعة اتخاذ الإجراءات الطارئة ، غير أن ردة فعل بريطانيا كانت مختلفة إلى حد بعيد نتيجة الموقف الذي اتخذه السفير البريطاني ريتشارد مور الذي أعلن وقوفه ضد الانقلابيين معلنا أن “بريطانيا ستقف إلى جانب أنقرة” ، ومن ثم رتب لزيارة بوريس جونسون ، الذي كان يشغل منصب وزير الخارجية آنذاك إلى أنقرة للتضامن مع تركيا ، ويبدو أن تلك الزيارة قد آتت أكلها لكونها أفضت إلى تطور في العلاقات البريطانية – التركية ، وحينما فاز بوريس جونسون في سباق المحافظين لمنصب رئيس الوزراء ، أرسل له أردوغان تحياته الحارة ، كما أشادت به وسائل الإعلام التركية ، ولم يكن ذلك مجردة مجاملة دبلوماسية فحسب ، بل إشارة إلى أن السلطات التركية لم تنس دعم جونسون الذي غالباً ما يستذكر بفخر جد أبيه علي كمال الذي كان وزيراً للشؤون الداخلية في الإمبراطورية العثمانية ، ويبدي رغبته في ترسيخ أطر التعاون المتعدد بين لندن وأنقرة .
وفي هذا السياق ، تبين التحليلات الضحلة للمقالات الأخيرة المنشورة في وسائل الإعلام البريطانية الرائدة حول الوضع في تركيا بأن لندن – خلافا لأوروبا الغربية – قد تجنبت توجيه أي انتقاد لأساليب أردوغان الاستبدادية وأفعاله في شرق البحر الأبيض المتوسط وليبيا ، إذ تبين لندن بأن تركيا تشكل لاعباً أساسيا في منطقة الشرق الأوسط خلال السنوات الأخيرة ، وأن التقارب بين البلدين سيعزز العلاقات بينهما ما يحقق كثيراً من المزايا لبريطانيا ، ولاسيما أن لدى شركة بريتش غاز وشركات أخرى مصالحها في المنطقة لاستخراج الغاز الطبيعي من الحقول البحرية في البحر الأبيض المتوسط حيث بدأ تشكيل ما يسمى تحالف “مثلث الطاقة” (ويضم اليونان وقبرص وإسرائيل) الذي يمثل منافساً للبلدين .
إن بريطانيا التي ولجت إلى منطقة مضطربة إثر خروجها من الاتحاد الأوروبي وسط امتعاض ناجم عن مفاوضاتها بشأن التعاون الاقتصادي مع الاتحاد ، تحدوها الرغبة في تأسيس المزيد من الشراكات التجارية والاقتصادية في منطقة التجارة العالمية ، ولذلك فإن بريطانيا بحاجة إلى عقد صفقات تجارية ناجحة مع لاعبين آخرين الأمر الذي يعزز اقتصاد المملكة بدرجة أكبر مما كان عليه عندما كانت عضوة في الاتحاد الأوروبي ، وفي هذا السياق برزت تركيا كشريك للندن يمكّنها من السيطرة على البحر الأبيض المتوسط .
أشار وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو خلال زيارته إلى بريطانيا شهر تموز الفائت إلى ترسيخ العلاقات الثنائية بين أنقرة ولندن مؤخراً وخاصة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ، وفي ذات الوقت شدد على أهمية التعاون الوثيق بين بريطانيا وتركيا ، ولا يقتصر الأمر على النواحي التجارية فقط ، بل على النواحي الجيو استراتيجية ولاسيما أنها قد تمتد إلى أوكرانيا وحوض البحر الأسود لمواجهة المصالح الروسية في تلك المنطقة.

ويتمثل الدافع الآخر لتطوير الروابط التجارية والاقتصادية والعسكرية مع بريطانيا ما نهجت إليه كندا من تعليق وصول شحنات أسلحة إلى تركيا ، إذ اتخذ رئيس الوزراء الكندي جاستين ترودو ذلك القرار في أعقاب مشاركة أنقرة في الحرب بين أذربيجان وأرمينيا ، ولم يعد خافياً على أحد بأن قطع الطائرات التركية المسيرة مقدمة من تسع شركات أجنبية ومنها شركة كندية ، لذلك فإن قرار جاستن ترودو كان كارثياً بالنسبة لتركيا وبرنامجها المتعلق بإنتاج الطائرات المسيرة لذلك تصدت بريطانيا لمساعدة أنقرة مشكلة بديلاً عن كندا .
وعلى الرغم من التحالف البريطاني – التركي الذي يقتصر على التعاون الاقتصادي والعسكري التقني فإن ثمة تنامياً في العلاقات الجيوسياسية ولاسيما فيما يتعلق بأوكرانيا ، فقد كشفت تقارير عن تمركز القوات البريطانية في ميناء نيكلوف الأوكراني في البحر الأسود وعن عزم تركيا تطوير تعاونها الاقتصادي والعسكري أيضا مع كييف ، وفي واقع الأمر ، سمحت تركيا ببيع أوكرانيا طائرات درونز التركية المصنعة بمعدات وقطع بريطانية .
إن تطوير وتعزيز علاقات لندن مع أنقرة ينسجم مع فكرة “بريطانيا العظمى” التي تسعى المملكة المتحدة إلى تأسيسها بعد مغادرة الاتحاد الأوروبي ، ويبدو أن تركيا ستلعب دور الداعم المحوري وتشكل موطئ قدم للنفوذ العالمي الجديد لبريطانيا في المستقبل ، وبذلك تعد لندن أحد أصدقاء أنقرة القلائل في الغرب ، إذ يرى أردوغان أن التحالف البريطاني – التركي يمثل مؤشراً هاماً على احتفاظ تركيا بعلاقات اقتصادية وسياسية وثيقة مع دولة أوروبية كبرى تتمتع بنفوذ دولي .
Eastern Outlook

آخر الأخبار
الدوريات الأوروبية.. خسارة أولى للسيتي وميلان وتعثر جديد للروخي بلانكوس مشاركة قياسية في بطولة كأس النصر  اتحاد كرة القدم بلا إدارة؟! الموسم الكروي على الأبواب وغموض يربك الأندية  منتخبنا السلوي للناشئات في بطولة آسيا  رغدان شحادة (للثورة): مواجهة الإمارات ستمنح منتخبنا فوائد عديدة رئيس الهيئة المركزية للرقابة : لن نتوانى عن ملاحقة كل من يتجاوز على حقوق الدولة والمواطن   الرئيس الشرع: محاسبة مرتكبي مجازر الكيماوي حق لا يسقط بالتقادم   حشرات وعناكب بالألبان والأجبان   تشجيعاً للاستثمار .. محافظ درعا يتفقد آثار بصرى الشام برفقة مستثمر سعودي  إبراز المعالم الوقفية وتوثيقها في المحافل الدولية بالتعاون مع "الإيسيسكو" معرض دمشق الدولي..ذاكرة تتجدد نحو تنمية مستدامة  "خطوة خضراء لجمال مدينتنا".. حملة نظافة واسعة في كرناز 10 أطنان من الخبز... إنتاج مخبز بصرى الشام الآلي يومياً نداء استغاثة من مزارعي مصياف لحل مشكلة المكب المخالف قرابة  ١٠٠٠ شركة في معرض دمشق الدولي ..  رئيس اتحاد غرف التجارة:  منصة رائدة لعرض القدرات الإنتاجية تسهيلاً لخدمات الحجاج.. فرع لمديرية الحج والعمرة في حلب "الزراعة" تمضي نحو التحول الرقمي.. منصة إرشادية إلكترونية لخدمة المزارعين  اجتماع تنسيقي قبل إطلاق حملة "أبشري حوران "   مبادرة أهلية لتنظيف شوارع مدينة جاسم الدولرة تبتلع السوق.. والورقة الجديدة أمام اختبار الزمن السلوم لـ"الثورة": حدث اقتصادي وسياسي بامتيا...