حرائق الغابات والزحف العمراني يهددها بالانقراض ..النباتات الطبيعة والعطرية ثروة مهمة ودعوة لاستخدامها في الطب البديل
الثورة أون لاين – وفاء فرج:
حذر الاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة من أن الإفراط في جمع النباتات البرية من أجل استخدامها في الطب البديل يعرض عدداً متزايداً من الأنواع لخطر الانقراض، حيث تهدد الممارسات والأنشطة البشرية بانقراض خُمس النباتات حول العالم, نظراً لما تسببه هذه الممارسات من تدمير بيئة العيش الخاصة بها, حسبما أفادته دراسة علمية، فالتنوع الحيوي يدخل في مواجهة مع الاستغلال غير الرشيد للموارد البيئية ومع السلوك غير القويم للبشر، حيث يقف التنوع الحيوي أمام كارثة تهدد العديد من الأنواع والنظم البيئية والمصادر الوراثية بالإنقراض ما لم تتخذ إجراءات فاعلة لوقف الكارثة وإعادة التلاؤم بين الحياة والبيئة ليعود للتنوع الحيوي حيويته وازدهاره وقابليته للاستمرار.
عودة إلى الطبيعة
هذا ما صرح به المهندس عبد الرحمن قرنفلة الخبير في الشؤون الزراعية وأضاف، رغم التطور الذي عرفه الطب الحديث في العالم إلا أن هناك عودة للطبيعة والطب التقليدي المعتمد على مواد الطبيعة وذلك في العالم بأسره، إذ تقدر منظمة الصحة العالمية أن نسبة سكان العالم الذين يعتمدون على الطب التقليدي كأسلوب علاج أساسي تتراوح ما بين 65-80%، ولعل السير نحو استعمال آمن وفعال لهذا النوع من العلاجات عبر التقنين والبحث العلمي وإدماج العلاج الطبيعي وممارسيه داخل المنظومات الصحية بشكل يضمن معايير جودة عالمية يعتبر خياراً ضرورياً خاصة خلال الفترة الراهنة التي يتعرض فيها القطر لحصار اقتصادي يشكل ضغطاً على الصناعات الدوائية ويرفع من تكاليف إنتاجها.
الطب التكميلي
وقال قرنفلة: في أثناء الندوة الدولية حول الطب التقليدي لدول آسيا أكد المدير العام لمنظمة الصحة العالمية ماركاريت شان (على أن أساليب الطب التقليدي أو التكميلي التي تتميز بجودة وفعالية عالية والتي يمكن استعمالها دون مخاطر تساهم في إتاحة الخدمات الصحية لجميع المواطنين بما أنها تبقى الأقرب لهم، بفضل سهولة الوصول إليها وتكاليفها المعقولة والرخيصة في الكثير من الأحيان.
كما أنها مقبولة ثقافياً لما يمنحها الأفراد من ثقة، في الوقت الذي أصبحت تكاليف الطب الحديث تشكل عائقاً كبيراً، خاصة مع تزايد نسب الأمراض المزمنة، يبقى الطب التقليدي من بين الحلول الممكنة لمواجهتها.
وحديثاً هناك تطور لا يمكن إخفاؤه للطب الطبيعي الذي كان قد عرف ركوداً وتدهوراً مع تطور الطب الحديث والعقاقير الكيماوية واستعادة لمكانة الأعشاب الطبية والعلاجات التقليدية.
حديقة وطنية للنباتات الطبية والعطرية
وحول ضرورة وجود حديقة وطنية للنباتات الطبية والعطرية الطبيعية قال المهندس قرنفلة: إن حرائق الغابات، والزحف العمراني، والخلل في عمليات جمعها، وعوامل عديدة باقية تهدد بانقراض طيف واسع من مكونات أهم كنز وطني من كنوز البلاد الزراعية المتمثل بالنباتات الطبية والعطرية ولا سيما غير المزروع منها والذي ينمو طبيعياً في بيئات البلاد، وهذا يقتضي دعم إجراءات وزارة الزراعة من خلال إقامة حديقة وطنية للنباتات الطبية والعطرية أسوة بما هو موجود في دول العالم المتطورة، تهدف إلى حفظ الأنواع النباتية وإكثارها ونشر ثقافة استخدامها في الطب البديل أو العلاج الطبيعي نظراً لمخاطر الاستخدام العشوائي حيث تم تسجيل السلطات الطبية حالات من التسمم ومضاعفات ناتجة عن الاستهلاك الخاطئ لبعض النباتات، إضافة إلى دور الحديقة الوطنية بتشجيع الأساليب العلمية في زراعة وجمع وتحضير النباتات الطبية والعطرية لتشكل رافداً اقتصادياً للبلاد. فالنباتات الطبية والعطرية نباتات تصديرية حيث يتجاوز مردود زراعة هكتار بالزعتر مبلغ 2530 دولاراً، أما المليسة فيبلغ مردود زراعة الهكتار منها 2340 دولاراً ومردود هكتار الميرمية يحقق 1750 دولاراً، ومردود الهكتار الواحد من اليانسون بحدود 600 دولار أميركي كريع صاف للمزارع. هذا ما أثبتته دراسات البحوث العلمية الزراعية في سورية، ويبلغ ثمن طن الزهور الواحد 2500 يورو.
وأوضح قرنفلة أن العرب أول من أسس مذاخر الأدوية (صيدليات) في بغداد، وهم أول من استخدام الكحول لإذابة المواد غير القابلة للذوبان في الماء، وأول من استخدم السنامكي والكافور والقرنفل وحبة البركة في العلاج، وقد نبغ كل من الدينوري وابن العوام وابن الرومية وابن الصوري وابن السراج في علوم النبات والصيدلة وقدماء المصريون أول من استخدم زيت الحلبة لإزالة تجاعيد الوجه، وزيت الخروع لعلاج الإمساك، ودهاناً للشعر، وأول من استخدم الخشخاش لعلاج التهاب الأمعاء، وتسكين الآلام، والنعناع والمر لعلاج القروح والالتهابات الجلدية والاضطرابات المعوية وقشر الرمان لطرد الديدان والحنظل لعلاج الإسهال وطرد الديدان.
فما هي النباتات الطبية والعطرية؟؟؟
قال قرنفلة: النبات الطبي هو كل نبات لـه تأثيرفسيولوجي علـى جـسم الإنـسان أو الحيوان ویـستخدم في العـلاج، أي أنه یؤثر علـى أداء الأعـضاء في جـسم الإنـسان أم الحيوان سـواء أكـان تأثيره منـشطاً أو مثـبطاً، أو لـه تأثير علـى الكائنـات الحیـة التي تتطفـل علـى جـسم الإنـسان، أو الحيوان خارجیـاً أو داخلیاً إما بالتنشيط أو التثبـیط أو القتـل أو الطـرد مثـل النباتـات التي تـستخدم لقتـل البكتريا أو الفطريات أو الدیدان أو الحشرات أو الأمیبا أو غیر ذلك، وهناك نباتات لا تملك مفعولاً دوائياً ولكن لها أهمية في علم العقاقير (الملونات النباتية الطبيعية – المنكهات النباتية– الالياف الطبيعية).
أما النبات العطري فهو أي نبات یحتـوي علـى زیـت عطـري فـي أي جـزء مـن أجـزائه، ولهـذه النباتـات العطریـة وزیوتها استخدامات عدیدة فـى صـناعة العطـور ومستحـضرات التجمیـل وفـي صـناعة الأدویـة وحفظ اللحوم وفي صناعة المنظفات الصناعیة وغیر ذلك.
بيئة الساحل السوري صيدلية طبيعية
ويقول قرنفلة: يتوفر في سورية تنوعاً مناخياً وبيئياً داعماً للتنوع النباتي ولنمو النباتات الطبية والعطرية بشكل تلقائي، إضافة إلى إمكانية زراعة عدد كبير منها، حيث تشير العديد من المصادر العلمية إلى وجود أكثر من ألف نوع من النباتات الطبية تزرع في سورية التي تعتبر من أقدم الدول التي استخدمت النباتات الطبية في الطب الشعبي, ويعد سوق البزورية في دمشق من أقدم الأسواق التي سوقت النباتات الطبية واستخداماتها شعبياً في معالجة الأمراض.
وتضم النباتات الطبية الموجودة في سورية نباتات تستعمل أوراقها طبياً وعطرياً مثل الريحان والنعناع ونباتات تستعمل أزهارها مثل البابونج والنرجس وأخرى تستعمل بذورها وثمارها مثل اليانسون والكمون وفول الصويا ونباتات تستعمل جذورها مثل العرقسوس.
كما أن الساحل السوري من أهم المناطق التي تنمو فيها النباتات الطبية والعطرية طبيعياً، لأن فترة الضوء خلال النهار والظروف البيئية تساعد على إنتاج زيوت بنسبة أكبر من أي منطقة في حوض البحر الأبيض المتوسط، وأهم تلك النباتات نجد الزعتر البري بنوعيه الخليلي والسوري وإكليل الجبل والزوفا والبابونج والأجاف وكيس الراعي والبنفسج والمليسة والجرجير والهندباء والحلاب والخلة والخزامي والقريص وحشيشة الدينار وحشيشة السعال وحشيشة القلب والختمية والخبيزة والخردل والخروع والخشخاش والزعفران والشمرة والطيون والقبار والمردكوش والميرمية والشوفان وعرق السوس ولهذه النباتات فوائد جمة حيث يستخدم الكثير منها في صناعة الأدوية.
أهداف الحديقة الوطنية للنباتات الطبية والعطرية:
وعن الأهداف التي يمكن أن تحققها الحديقة الوطنية للنباتات الطبية والعطرية قال قرنفلة: إضافة إلى دورها في حفظ التنوع الحيوي السوري والحفاظ على الأنواع النباتية المختلفة، تعمل الحديقة على الاهتمام بالبحث العلمي وتشكيل فرق عمل من أساتذة في الطب والصيدلة وعلم النبات وطلبة وأطباء، وتوجيه البحث حول فعالية النباتات الطبية والأعراض الجانبية والسمية لبعض النباتات.
وهذا يقتضي وجود مختبر خاص بالنباتات الطبية لتطوير استعمال النباتات محلياً اقتداء بدول أخرى عرفت ثورة في البحث العلمي حول علم النبات الطبي دعما للطب البديل والشمولي وإنشاء دفيئة للتمكن من احتواء نباتات مستوردة ونباتات ذات شروط مناخية الخاصة.
وإعداد لوائح بالأدوية المستخلصة من الأعشاب الطبية ذات الاستعمال التقليدي الشعبي وتهيئة مكتبة خاصة بكتب علم النبات والعلاج بالنباتات والزيوت العطرية ومحاولة إدماج المؤلفات الطبية العربية القديمة حول الأعشاب الطبية، إضافة إلى إنشاء معشبة ومتحف للنباتات الطبية والعطرية ضمن مكونات الحديقة.
كنز هائل يجب استثماره بشكل أمثل
كما أكد المهندس قرنفلة أن الدراسات تثبت أن تقطير النباتات الطبية واستخلاص الزيوت منها ذو مردود اقتصادي مرتفع حيث يصل سعر ليتر زيت الزعتر الخليلي إلى /500/ ألف ليرة ويحتاج من /300 إلى 500/ كيلوغرام من النباتات المجففة بينما يتراوح سعر ليتر زيت الوردة الشامية بين مليون ومليون وخمسمئة ألف ليرة ويحتاج إلى/1.5/ طن من الورد. وزراعة النباتات الطبية تحتاج إلى تكاليف مادية بسيطة لكونها لا تتطلب أسمدة أو مبيدات حشرية بكميات كبيرة ومعظمها ينمو طبيعيا في مناطق وبيئات مختلفة من البلاد.
انسجام مع المعايير العالمية
وأخيراً أكد قرنفلة أن التوسع في تصدير النباتات الطبية والعطرية يتطلب منا أن نرتقي بالنبات الطبي والعطري لينسجم مع الشروط المطلوبة في دساتير الأدوية العالمية، ولتقدير جودة النباتات الخام والعقاقير النباتية يؤخذ بعين الاعتبار إصدار شهادة تحليل للمواد الخام النباتية وشهادة بالمنتج النهائي وتقدير مدى فعالية النباتات الطبية وتقدير مدى التلوث بالبكتيريا للنباتات الخام والعقاقير النباتية، لافتاً إلى أن استخدام تقنيات التحليل المختلفة لتقدير المحتوى الكيميائي للأنواع المختلفة من النباتات حيث يتميز كل منها بمحتوى كيميائي يختلف عن الأنواع الأخرى حتى ولو كانت تابعة لنفس الجنس.