عبد المعين الملوحي.. أكاديمية معرفيّة

الملحق الثقافي – سلام الفاضل:

يعدّ “عبد المعين الملوحي” رجلاً روَّضته المعرفة والتجربة، وجعلته حكيماً مُفعماً بالرضا والسكينة والتصالح مع الذات، ومع العالم.
كان جدياً في كدّه الثقافي، وبحثه المعرفي. يقضي جلّ أوقاته بالعمل في البحث والكتابة والترجمة، كأنه يُروّح عن نفسه، ويُبدد أحزانه بهذا الانشغال الذي يمتعه شخصياً، ويفيده خبرة ومعرفة، ويفيد شعبه وأمته.
نظراً لهذه الأهمية التي تمتَّع بها “عبد المعين الملوحي”، وللثقافة الموسوعية التي ميّزته، أصدرت مؤخراً الهيئة العامة السورية للكتاب، وضمن سلسلة “أعلام ومبدعون”، الكتاب الشهري لليافعة “عبد المعين الملوحي”، وهو من تأليف: الكاتب والقاص “ناظم مهنا” الذي أضاء فيه على محطات في حياة هذا المبدع السوري.
المولد والنشأة
ولد “عبد المعين الملوحي” في مدينة حمص السورية عام ١٩١٧، ونشأ، وتلقّى تعليمه فيها. والده الشيخ “سعيد الملوحي”، أثّر في تربية ولده، وأنشأه على حب اللغة وآدابها، والشعر خاصة، الذي شُغف به الملوحي، وكتبه في سن صغيرة، حيث نُشرت أولى قصائده عام ١٩٣٦.
عمل في شبابه معلماً تربوياً، وعلّم مادة اللغة العربية في معظم المدن السورية. تخرج في دار المعلمين العليا في دمشق عام ١٩٤٢، وتخرج في جامعة القاهرة عام ١٩٤٥، حاملاً إجازة في اللغة العربية.
عمل في مجالي الصحافة والتدريس في آن معاً منذ مطلع شبابه، وتميّز بمواقفه الصريحة وغير التقليدية، وظهر ذلك في وعيه السياسي والاجتماعي والثقافي، وفي اختياراته التراثية، وانتقائه الكتب التي نقلها إلى العربية. كانت اختياراته محل ثقة دائماً، وتتمتع بالجودة وحسن الانتقاء لما هو مفيد وممتع، وقد عُني بعض العناية بما هو مُغفَلٌ ومجهول وهامشي من التراث العربي لاعتقاده أنه يستحق القراءة، ويُذكر أنه نقل إلى العربية كتباً إبداعية من الفرنسية والبلغارية والبولونية، والصينية والفيتنامية، وأحياناً عبر اللغة الفرنسية التي يجيدها.
درس “الملوحي” اللغة العربية في جامعة بكين، ونال منها دكتوراه شرف، وكان عضواً في مجمع اللغة العربية بدمشق، وكُرّم داخل وطنه وخارجه، كما أنه نال أوسمةً رفيعةً تقديراً لجهوده ومكانته، وشارك في بعض المؤتمرات الوطنية والعربية.
عمل خلال مسيرته الوظيفية مديراً للمركز الثقافي في حمص، ومديراً لمديرية إحياء التراث في وزارة الثقافة، ثم مديراً للمراكز الثقافية والمكتبات في سورية، وكان عضواً مؤسساً لرابطة الكتّاب السوريين عام ١٩٥١، ومن أوائل الأعضاء في اتحاد الكتّاب العرب.
مكانته العلمية والأدبية
كان “عبد المعين الملوحي” يعادل أكاديمية معرفية متنقلة، وهذا الجانب من شخصيته واقعيٌ جداً وملموس، وله دلائله، وليس محض مبالغة لفظية، فقد كان شاعراً، ومؤلفاً، ومحققاً، ومترجماً، وكان في هذه الفروع المعرفية جميعها خبيراً يجيد أدواته، ويستخدمها بعناية.
عاش “الملوحي” زمنَه وسط أعلام بلاده الكبار، فكان واحداً منهم، وعلامة فارقة بينهم، وقد مُني خلال حياته بنوائب شديدة تركت أثرها فيه، وألقت بصداها على نفسه الأبية، إذ كانت مأساته الشخصية كبيرة ومؤثرة ومتتالية، بيد أنه، كشاعر مقاوم ومعاصر، عرف كيف يحوّل الخاص إلى عام، ولم يستكن لهمومه الشخصية على أنها نهاية العالم، فخرج من حالته الخاصة إلى مزيد من العمل والعطاء.
أُطلق عليه شاعر الرثاء، فقد رثى في كثير من قصائده أصدقاء له رحلوا، أو شخصيات وطنية، إلا أن للملوحي ثلاث قصائد ذاعت شهرتها، وانتشرت في الآفاق، الأولى في رثاء زوجته، وفيها طرح أفكاره حول الموت والوجود في ذلك الوقت، والثانية في رثاء ابنته، وهي قصيدة مؤثرة جداً، صادرة عن أبٍ مفجوع، عرف دائماً كيف يقرأ التجربة ويستخلص منها العبر، وقصيدته الثالثة “عبد المعين الملوحي يرثي نفسه”، أهداها إلى “مالك بن الريب.”
وفاته
رحل “عبد المعين الملوحي” عام ٢٠٠٦ عن عمر قارب التسعين عاماً، ونعته وزارة الثقافة في الجمهورية العربية السورية أديباً موسوعياً كبيراً ومترجماً، وقد ترك رحيله فراغاً كبيراً في مجال الثقافة السورية والعربية.

29-12-2020
رقم العدد 1026

آخر الأخبار
في سباق مع الزمن و وسط تحديات الرياح والتضاريس.. جهود لإخماد الحرائق   سوريا تقترب من رقمنة الشحن الطرقي    "موزاييك للإغاثة والتنمية الإنسانية" حاضرة في الاستجابة لمتضرري الحرائق   "الثورة" من قلب الميدان تتابع عمل فرق الدفاع المدني  الحرائق تتواصل في مواقع عديدة     استجابة لحرائق اللاذقية.. منظمة "IASO" تطلق حملة "نَفَس حقكم  بالحياة" السفير البلجيكي ببيروت في غرفة صناعة دمشق لتعزيز العلاقات الاقتصادية  ربط طلاب الكليات الهندسية في حلب بسوق العمل  متابعة المشاريع التي تُعنى بتحسين الأوضاع المعيشية للاجئين الفلسطينيين في حلب  وفد المنظمة العالمية للتحكيم الدولي في غرفة صناعة دمشق  الرئيس الشرع يصدر مرسوماً بتعديل بعض مواد قانون الاستثمار الشرع يشيد بجهود فريق تصميم الهوية البصرية الجديدة لسوريا مرسوم رئاسي بإحداث الصندوق السيادي لتنفيذ مشاريع تنموية وإنتاجية مباشرة والاستثمار الأمثل للموارد مرسوم رئاسي بإحداث صندوق التنمية للمساهمة في إعادة الإعمار مكافحة الفساد ليست خيارآ  بل أمراً حتمياً  توقيفات طالت شخصيات بارزة والمحاسبة مستمرة   "مهمشون" ومكافآت "شكلية"   ممرضون لـ"الثورة: الوقت حان للاستماع إلى نبضنا ليخفق قلب المهنة  من إدلب إلى دمشق..  "أبجد".. نحو مجتمع متضامن أساسه التعليم  تعزيز الجاهزية الرقمية في المدارس الحقلية الزراعية بحلب  BBC: طالبو اللجوء السوريون في بريطانيا.. بين القلق وانتظار قرارات لندن  وفرة في الغاز وندرة في المال..  مدير عمليات التوزيع: رخصة الغاز ليست مشروعاً تجارياً  قمة أممية للذكاء الاصطناعي.. توجيهه لخدمة أهداف التنمية المستدامة