مطرقة الإرهاب وسَندَان الانطباع المهيمن

الملحق الثقافي: د:محمد سعيد المخلافي :

أطلّ العام الجديد، ينعي إلينا وللأسف، رحيل السيناريست المصري الشهير «وحيد حامد».. الخبر المفجع الذي تلقيناه بصادق الحزن والترحم، على روح فقيدٍ من الرعيل المتقدم. الخبير في زلزلة الانطباعات المهيمنة، والممتاز خصوصاً في صياغة الملاهي المأساوية والكوميديا المثقلة بالهموم، بلا تشويهٍ ساخرٍ أو مبالغةٍ في مسخِ الصفات، بقصد الإضحاك لذاته، والذي قام بتوظيفه للتخفيف من حدَّة التوتر، عند تحفيز «الوعي المُمكِن»، وإحداث علاقة بين مُدرَكين بفاعلية وبمنتهى السلاسة والراحة، بدلاً من مشَقَّة الجذب إلى جوِّ «مأساة كلاسيكية»، لسماع خطبة تقريع طويلة، محشوة بالتنديد والتحقير وبالاتهامات الغاضبة، والتحذير من العواقبِ الوخيمة، وما إلى ذلك المُرفَق بتوقع المقاطعة أثناء إلقائها في فضاء التشظي والتفتت.
لقد أجاد الراحل وأحسن، بخصوص عدة مواضيع محاطة بأسلاكٍ شائكة، تجاوزها ببراعةٍ وترك رؤيته بوجيز أريب، وبفطنةٍ فكرية لا تغافل المُتلقّي بالأسلوب اللاذع في الإضحاك، لكي يستغرق في تقدير المَلهَاة الرفيعة وهو يشاهد على سبيل المثال، مُصَنف كوميدي كفيلم «لإرهاب والكباب»، لمؤلِّفٍ فذٍّ بفكرةٍ مقدور الوصول إليها بالقليل من الضحك، الذي يحيله إلى أداة استبصار غريبة، تضحك فترى خارج انطباعك المهيمن الارتباط العِلِّي بطريقة أو بأخرى، بين الإرهاب والحرمان. وليس من قبيل التهكم مطلقاً، تمثله في الحرمان من «الكَبَاب» كطعام تنزع النفس إليه وتعجز عنه الأسباب غالباً، في أوطان تشتد بمواطنيها هواجس العيش الكريم، وسدِّ الحاجات الأساسية، أو الوقوف في أفضل الأحوال عند حدِّ الحقوق المدنية والسياسية، وعدم تجاوزها إلى جيلٍ أمثل من الحقوق الاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية، ناهيك عن إمكانية التطلع إلى الحق الإنساني بالتضامن المتعلق بصيانة الرساميل المعنوية أو القليل منها، في ظلِّ البنية التراتبية والاستحواذ على سُلَطة الاقناع والتوجيه، الذي يشكل الحرمان منه، حافز للتغيير العميق بخصوص الأفكار المتعلقة بالتكامل الاجتماعي والمعتقدات، بما لها وما عليها.
كل هذا، بينما يواصل الإرهاب استهداف مواضع الحرمان وسائر الخواصر الرخوة، كالحرمان من الشعور بالقيمة في تلك المرحلة الدقيقة من النمو البشري، حينما يسعى الفرد إلى التخلص من الشعور بالتفاهة أو يتوق إلى إثبات الذات وتحقيق التميُّز، مدعوماً بوثبة نشاط هرموني مُحصَّلته ميلٌ جارف إلى المغامرة والعصيان، لا يعلم كم يكون مُستَغَلاً حتى العظم، وأول الضحايا منذ بدأ يتنفس وينبض قلبه، على ذلك النحو السريع والقوي في مرحلة عبوره إلى سن الرشد، البعيد المنال من كل شخصٍ استقرت العقيدة في حضيض نفسه، دلالات غامضة مشوشة وارتسمت في وعيه المسطح بهيئة محارب ثائر، بمؤثرات ذاتية وبعض لمسات هوليودية لاشعورية، موحية بقداسة مهام الشحوب المتسخ والشعث المُنفِّر بشكل مذهل، لولا أنها صورة تخفف وطأة الحرمان، بإشباع الخواء الروحي للارتباط بمعنى أسمى، لا يستلزم مراعاة الأركان والمعاقد، ولا تثقله التكاليف المتصادمة مع أهواء نفسٍ يتربع في قمتها، عقل متكاسل عن الادراك المتكامل لطبيعة الإيمان ومقتضياته وأولها التأمل النقي للكون.
هنا، يرتد الحال المزري إلى فقاعته الفارغة، متقمصاً بطريقة أكثر من سيئة، دور المؤمن القوي الأحب إلى الله، كشخصية يُغالي في تَمَثُّلها، ثأراً لشخصية أخرى يجد فيها ذاتاً مُعطلَّة، وقد تم إزاحتها عن مجرى الحياة الاجتماعية، وهكذا يمضي في اعتقاد تَمَكُّنه من قلب الأدوار، يطالع في افتتانٍ تجسيم خادع لصورة ناطور المعتقد الأسمى، وحارس الحق والهدى، وكل من يقف وراء حدود فقاعته، باطل وضلال بشكل تلقائي، إذ لا يقابل الحق سوى الباطل وما بعد الهدى إلا الضلال، وهذا كلّ ما تيسَّر له من فهمٍ، لا يتطلب تَفَكَّر في المغازي والغايات؛ مما لا يطيقه مع ثنائية الحرمان والجهل، وعلى أساسه اختطَّ لنفسه ذلك النهج المريح القائم على التعميم الباطل، ولا عاصم لكلِّ من وجد نفسه مصادفة على مسرح الموت العشوائي الذريع. أما هو، فيمضي في رحلة الثوران والرعب داخل قوقعة مكتظة بمعتقدات تشذُّ في «النظام الخطابي» العقلاني، عن نطاق العَرَضي والعابر، فتبدو في المنظور الاجتماعي عارية من أي قيمة وظيفية، الأمر الذي لا يعني شيء عند من يرى نفسه خارج مجمل النظام الاجتماعي بالأصل، أو خارج عليه، وكل ما يعنيه في أقصى حدود تماسكه، الإجابة عن وضعياتٍ إشكالية ترهقه، وهو بذلك أشدّ ما يكون حاجة، للأخذ بيده من مزالق التيه والحُنْق، والمحاذرة إلى جادة الصواب والرضا والأمان.
هؤلاء، لن تنصلح أحوالهم بغير التَقَبُّل والاتجاه الإيجابي، نحو مفهومي «الانحراف والامتثال»، عند تفسير سلوكهم الخارج عن النُظُم والقيم الاجتماعية، والاعتراف قبل ذلك كله، بحقيقة الضعف والعيوب الذي تتضمنها النفس البشرية، كما أعتقد جازماً بأن كلمة الرفض بمفردها، فارغة إلا من إفراز المزيد من الرؤى المتعددة التي تصل إلى حدِّ التناقض، إزاء نمطٍ من السلوك المتعارض، الذي ينطوي على درجة من القبول، كما هو على حقيقته الظاهرة؛ حيال عصمة مزعومة وشخصيات تامة ممتلئة، ذات أبعادٍ مُركَّبة عميقة، تأخذ شكل تَّصوّف في الحياة الروحية والانفعالية، وقادرة بذلك الشكل على إثارة الشفقة والذعر معاً.
هذا، إلى جانب حقيقة أننا نتشارك معهم سفينة الأمن والاستقرار، وندرك تماماً ماذا يعني إحداث خرقٍ فيها أو الاستسلام التراجيدي للمعتقد الخاطئ بالقدر المحتوم؛ وندرك تماماً أيضاً، إلى أين تقود اللامبالاة العابثة في هذا الشأن، وهذا لوحده كفيل بإصلاح ما أفسده الزَّمَّارون نظير أجرٍ مدفوع بعُمُلات أجنبية؛ والضامن لعدم الجمع مجدداً بين مرارة الحرمان والحقوق المنتهكة، وبين ترهيب مستغفِل يترصد فوق التلَّة المُترَفة مخاوفنا، يصيح بنا محذراً أنَّى شاء، بأن الإرهابيين قادمون.
لأجل كل ما تقدم، يكون من قبيل الفرض تخليق التعايش، وأنسنة العلاقات «البينذاتية»، وهزّ المعتقدات الباطلة بالتدليل العقلي، من باب قذف الحق على الباطل ليدمغه، فإذا هو زاهق ولا شيء غير هذا؛ خالصاً من سَوْءَة التوهم بكوننا بذلك، فرسان التغيير وحماة الهوية الإنسانية، أو حتى رسلاً لحقيقة مطلقة، لا يخلقها مجرد الشغف الصادق أو المتكلف بها، بلا فهم مشترك لماهيتها وتحديد مواصفاتها.
لا يتفق هذا مع مراد السير في طريق النجاة؛ وأشدّ منه سلبية، استمرار العقلية المنغلقة على الحقيقة، والاكتفاء بالتَّسمُّر الأبله تحت نافذتها الموصدة، ورفع العقيرة «بالليليات»، بعد أن تكون قد ضاقت ذرعاً بحَيّز الوَلَه السخيف، وهجرته منذ أمدٍ بعيد، تاركة حائطاً صلد أصم، ملطخاً بالحرمان والرَهَق.
 كاتب وأكاديمي يمني

التاريخ: الثلاثاء19-1-2021

رقم العدد :1029

 

آخر الأخبار
الشرع في لقاء مع طلاب الجامعات والثانوية: الشباب عماد الإعمار "أموال وسط الدخان".. وثائقي سوري يحصد الذهبية عالمياً الرئيس الشرع  وعقيلته يلتقيان بنساء سوريا ويشيد بدور المرأة جعجع يشيد بأداء الرئيس الشرع ويقارن:  أنجز ما لم ننجزه الكونغرس الأميركي يقرّ تعديلاً لإزالة سوريا من قائمة الدول "المارقة"   أبخازيا تتمسك بعلاقتها الدبلوماسية مع السلطة الجديدة في دمشق  إعادة  63 قاضياً منشقاً والعدل تؤكد: الأبواب لاتزال مفتوحة لعودة الجميع  84 حالة استقبلها قسم الإسعاف بمستشفى الجولان  نيوز ويك.. هل نقلت روسيا طائراتها النووية الاستراتيجية قرب ألاسكا؟       نهاية مأساة الركبان.. تفاعل واسع ورسائل  تعبّرعن بداية جديدة   تقدم دبلوماسي بملف الكيميائي.. ترحيب بريطاني ودعم دولي لتعاون دمشق لقاء "الشرع" مع عمة والده  بدرعا.. لحظة عفوية بلمسة إنسانية  باراك يبحث الملف السوري مع  ترامب وروبيو  مبعوث ترامب يرحب بفتوى منع الثأر في سوريا   إغلاق مخيم الركبان... نهاية مأساة إنسانية وبداية لمرحلة جديدة  أهالي درعا يستقبلون رئيس الجمهورية بالورود والترحيب السيد الرئيس أحمد الشرع يؤدي صلاة عيد الأضحى المبارك في قصر الشعب بدمشق بحضورٍ شعبيٍّ واسعٍ الرئيس الشرع يتبادل تهاني عيد الأضحى المبارك مع عدد من الأهالي والمسؤولين في قصر الشعب بدمشق 40 بالمئة نسبة تخزين سدود اللاذقية.. تراجع كبير في المخصص للري.. وبرك مائية إسعافية عيد الأضحى في سوريا.. لم شمل الروح بعد سنوات الحرمان