الملحق الثقافي:د. نورالدين أبو لحية :
من الشعراء الذين كان لهم شرف النضال، دفاعاً عن القضايا الوطنية الكبرى، وتضامناً مع الشعوب المُستهدفة كسورية الجريحة والأبيّة، الشاعر الفلسطيني المقاوم “د. أحمد حسن المقدسي” الذي كتب القصائد الطوال يهاجم فيها الإرهاب والعنف، والظلاميين والرجعيين الذين باعوا أنفسهم لأميركا وإسرائيل، وأصبحوا مجرد أدوات لتنفيذِ مشاريعهما.
لقد كان بإمكان هذا الشاعر، أن يكون كما الكثير من الشعراء الذين يجثون بين يدي الملوك والأمراء، يبيعونهم ذممهم وكرامتهم وكلماتهم ليرتزقوا منها، لكنه لم يفعل، وأبى أن يبيع كلماته وكرامته.
من آثار ذلك، أنه لا يكاد يُعرف، فهو زاهد متواضع يؤدي دوره في المقاومة، دون أن ينال أي ثمن، وحسبه بذلكَ كلّه شرفاً.
لكن، وإن لم يعرفه الإعلام، أو يعرِّف به، فقد عرفه رجال سورية الكبار، حتى أن سفير سورية في الأمم المتحدة الدكتور “بشار الجعفري” ذكر جزءاً من قصيدة له، عند ردِّه على السفير السعودي، دون أن يشير طبعاً إلى اسمه.
أجمل ما قاله من الشعر المقاوم، قصيدة له بعنوان “يا شام صبراً” وهي القصيدة التي قدَّم لها بقوله:
“هذه القصيدة هي تحية، وكلمة شكر للشعب وللجيش السوريين، على وقوفهما وصمودهما الرائعين في وجه المؤامرة العربية الأميركية الإسرائيلية التركية المستمرة على سورية وشعبها، وسورية منتصرة والمتآمرون عليها إلى زوال”.
/يا شام ُ صبراً إذا ما خَانكِ العربُ/ يا شام ُ لا تعتبي، لا ينفعُ العتبُ/ فهذه القدسُ كم خانوا مآذنها/ ومسجدُ القدس في الأصفادِ مغتصَبُ/ النفط ُ أفسَدَهم، والجبْن دَيدَنهم/ إذا بصَقتِ عليهم كلّهم هربوا/ يا شامُ لا تعتبي، لن يجْديَّ العتب/ بغدادُ قبلكِ “ يا ما “خانها العربُ” يا شامُ غزَّة بالنيرانِ غارقة/ وأنتِ يسكنُ في أثوابكِ اللهبُ/ في غزة الفخر تقتيلٌ ومذبحةٌ/ في غزة جُثثٌ ضاقت بها التُرَب /..
تناول في هذه القصيدة أيضاً، التآمر والخيانات والانجرار والنفاق العربي، وليس على الشعب السوري فقط، وإنما أيضاً، وكما ذكرنا في أبياتها الأولى، على الشعب العراقي، والشعب الفلسطيني:
/يا حاديَ العيسِ للأعرابِ وجهَتنا/ حيثُ الخيانة والتدليس والكذب/ فمسجدُ القدسِ لا يَحظى بمؤتمرٍ/ أو بائتِلافِ بغايا وهو مستلبُ/ كيف استحالَ عميلُ الغربِ مُنقِذنا/ وكُلَّما زادَ طعناً زادتِ الرُّتبُ/ فلستُ أعجبُ ممَّن خان والدهُ/ إذا الخطايا بأهلِ الشامِ يرْتكِبُ/ وكيف يرْأفُ بالأطفالِ في حلبٍ/ وهو الذي في جرْدَةِ الموسادِ مكتتِبُ/ لم يبقَ مرْتزِقٌ في أيِّ مزْبلةٍ / إلا رموهُ بأرض الشامِ يحْتطِبُ/ كلٌّ أعدَّ لذبحِ الشَّام خنجرَه/ كلٌّ يُحرِّكهُ في ذبحها أربُ/.
أما حديثه عن المعارضة، فهو وصفٌ دقيق لشذوذها وتبعيّتها وخيبتها وهزيمتها، وغير ذلك مما قال فيه:
هذي معارضةُ الشذَّاذِ تائهةٌ/ بين الموائدِ والأذنابِ تغتربُ/ يا شامُ كم حضَّروا للنصر كؤوسهمُ/ فما سقطتِ ولا أنخابَهم شربوا/ فليشربوا اليوم من أنخابِ خيبَتهم/ فالحقُّ حصْحصَ والعدوانُ ينقلبُ/.
وصف كلّ هؤلاء، وسواهم ممن شاركوا بتفاقم الألم السوري ونزيف جرحه، ليكون أنبلُ وأوفى وأصدق ما ختمها به، قوله مخاطباً الجيش العربي السوري:
يا جيشنا، أنتَ سيفُ اللهِ منتصِبٌ/ ومَنْ سواكَ لردْعِ الظلمِ ينتصبُ؟/ طهِّرْ بلادَكَ ممن خانَ تربتها/ فللخيانةِ أُمٌّ أنجَبَتْ وأبُ/ ..
أيضاً، من قصائده الجميلة “الاوثان تأكل بعضها” وهي قصيدة تتناول القمة الفضيحة لـ” ترامب” في الرياض، والأزمة الطاحنة بين شركاء التآمر في الأمس وأعداء اليوم، وكذلك جوقة أهل الفتاوى القاتلة والمظلمة والجاهلة.
مِن أين أبدأ مَعشرَ القرَّاءِ؟/ فالجرحُ جرحي، والدماءُ دمائي/ شرَفُ القصيدةِ أن تعرِّي خائناً/ يختالُ فوقَ جماجمِ الشهداءِ/.. يا رب، إني بالعوائلِ شامِتٌ/ فلتضْرِبِ العُملاء بالعُملاء/ ماذا سَنخسرُ إنْ خسرناهم؟ سوى/ جيش مِن الأصنامِ واللقطاءِ/ كم مرَّة طعنوا العروبة بالمُدى/ وتنادموا فرَحاً معَ الغرَباءِ/ كم مرة خانوا فلسطين لتنعُمَ/ بالعُروشِ حُثالةُ الزعماءِ/ ما مرَّ في جسَدِ العروبةِ خِنجرٌ/ إلا وكانوا خنجرَ الأعداء/ تلكَ الممالكُ والمَهالكُ كلّها/ والعرْشُ والتيجانُ تحتَ حِذائي/ فلطالما سَكِروا على أشلائنا/ باسمِ الحقوقِ، ولعْنةِ الإفتاءِ./.
حتماً لا يمكنني أن أذكر جميع قصائده لأنها كثيرة، لكنني سأختمُ بأبياتٍ يتهكَّم فيها من المعارضة المسلحة التي أُبعدت عبر الحافلات الخضراء التي أصبحت رمزاً لهزيمة الإرهاب، سأختم بخطابه الذي سخر فيه، ووجَّهه لكلِّ إرهابي:
عَجِّلْ خطاكَ، فماذا أنتَ مُنْتظرُ/ فقد تضيعُ حياة ساقها القدَرُ/ الباصُ أخضرُ، حتماً أنتَ تعرفهُ/ يكادُ مِنْ زحْمةِ الأوغادِ ينفجرُ/ اصعدْ، وإلا فجيشُ الحقِّ مُنتبهٌ/ ورأسمالكَ طلقٌ ثمَّ تنصهرُ/ جيشُ الشآمِ أبابيلٌ مُظفَّرَةٌ/ وحيثُ كانَ، يكونُ النصْرُ والظَّفرُ/.
في الختام، لم أقصد من هذا المقال ـ كما قد يُتوهم ـ تحليل قصائد الشاعر، ولا بيان لغته وأفكاره، وإنما أردت فقط أن أنبه إلى بطولته في زمن الخوف، وشجاعته في زمن الجبن، وزهده في زمن الطمع، وكذلك إلى قوة شعره وجرأته، وقدرته على هزيمة الباطل بالحقِّ الذي سلّح به قصيدته.
كاتب وباحث جزائري
التاريخ: الثلاثاء19-1-2021
رقم العدد :1029