الملحق الثقافي:سلام الفاضل:
اهتم الدارسون والباحثون في المجالات كلها، اهتماماً بالغاً بحضارة الأندلس وتراثها، وأثمر اهتمامهم هذا كثيراً من الدراسات والأبحاث المهمة، التي أضاءت جوانب من هذا التراث، وكشفت حقائقه، وسبرت أغواره.
ولا ريب أن دراسة الشعر الأندلسي بمجمله، الذي كان إحدى ركائز هذه الحضارة، هي دراسة شاقة، كما أنها تنزلق في منزلق التعميم، وضمّ رخيص الشعر إلى ثمينه، وغثه إلى سمينه، ولهذا لا بد لدراسة علمية جادة أن تحاول الاهتمام بمرحلة محددة، كما تحاول الاهتمام بما هو جوهري في تلك المرحلة، من غير وقوع فيما هو عرضي أو ثانوي.
ضمن هذه الرؤية التي سلَّطت الضوء على الشعر الأندلسي، يأتي كتاب (المأساوي والسُّخريّ في الشعر الأندلسي في عصر الدولة الأموية)، تأليف: قاسم القحطاني، والصادر مؤخراً عن الهيئة العامة السورية للكتاب، يأتي وقد اتخذ المقولات الجمالية، وهي القيم الأساسية التي تمثل أحجار الزاوية في البناء الجمالي، ميداناً للدراسة والتطبيق.
أهمية الدراسة
تنبع أهمية هذه الدراسة، من كونها تعالج ظاهرة جديدة في الشعر الأندلسي، وهي أول دراسة تتناول القيم الجمالية في هذا الشعر، وتسعى إلى تحقيق جملة من الأهداف، لعل من أبرزها: خدمة التراث العربي، واستنباط القيم الجمالية التي ميّزت الشعر الأندلسي في عصر الدولة الأموية، والإسهام في تعميق فهم أدب تلك المرحلة، ولفت النظر إلى أهمية النقد الجمالي للظاهرة الشعرية الأندلسية.
اتَّبع الباحث في دراسته هذه، المنهج الواقعي الاجتماعي الذي يشكّل – حسب رأيه – خير منهج يوضح القيم الجمالية في الشعر الأندلسي، ويساعد على تبيان الطبيعة الاجتماعية للقيمة الجمالية، وتبيان السمات الجوهرية التي تنظم انعكاس الاجتماعي في الفني.
أدوات منهجية
تقوم هذه الدراسة على عدد من الأدوات المنهجية، التي تتمثل في استقراء النصوص الشعرية للمرحلة مجال البحث، ثم تصنيفها ودراستها دراسة تحليلية، ليُكشف بها عن مدى تجلي القيم الجمالية في الشعر الأندلسي في عصر الدولة الأموية، وذلك بعرض الشواهد، وبيان خصائصها الفنية، والتعريف بأهم أعلام المرحلة، وذكر مآثرهم الباقية حتى يومنا هذا.
وقد قُسّمت إلى فصلين، انفرد كلّ واحد منهما بالبحث في واحدة من القيمتين الجماليتين الأساسيتين، وتجلياتهما في الشعر الأندلسي في عصر الدولة الأموية، حيث تناول الفصل الأول، الحديث عن (المأساوي في الشعر الأندلسي)، بادئاً بعرض الخطوط العامة لهذا المفهوم عند الفلاسفة اليونانيين والغربيين، ثم علاقة هذا المفهوم بالمفاهيم الجمالية الأخرى، لينتقل في بابه الثاني إلى ذكر تجليات المأساوي في الشعر الأندلسي في عهد الدولة الأموية، عبر إيراد ثلاثة أنواع من المأساة، هي: مأساة الموت، ومأساة السّجن، ومأساة قرطبة.
في حين يتجه الفصل الثاني إلى الخوض في موضوعة (السّخريّ في الشعر الأندلسي)، مع استعراض يوضح علاقة السخرية بالقبح والضحك في تاريخ الفكر الجمالي، وتبيان مفهوم السخري عند العرب، ليقدم لاحقاً تجليات هذا المفهوم في الشعر الأندلسي، مع إيراد ثلاثة أنماط من السخرية للدراسة والتطبيق، هي: السخرية والهجاء ومواقف الشعراء من الوضعين الاجتماعي والسياسي، والسخرية من طباع الناس وأخلاقهم الفاسدة، والسخرية من أشكال الناس وأجسامهم وهيئاتهم الغريبة.
يختم الباحث دراسته، بخاتمة عامة ضمَّ فيها أهم النتائج التي وصل إليها، كما زوّد الدراسة بملحق يُغني مادتها، ويساعد على إيضاح عدد من الجوانب التي أشار إليها.
التاريخ: الثلاثاء9-2-2021
رقم العدد :1032