هل نعرّفها على أنها من (ثقف الشيء) أي صقله، وهذبه، أم إن تعريفها واضح لدى كل الناس؟.. إنها الثقافة تلك التي تعطينا لآلئ المعرفة من الفكر، والفن، والعلم، والأدب.. وهي التي تنتظمنا كجماعات، وأفراد، ونستظل بظلها، ونستعين بمفرداتها في التجارب الحياتية، والإنسانية، كما في مبادرات السلوك أيضاً.. فالمثقف الذي قرأ، وتمثّل ما قرأه، واستنار عقله بما اطلع عليه حتى غدا مثقفاً لابد أن ذلك سينعكس في سلوكه بشكل عام، وفي مبادراته نحو الآخرين.
فالثقافة هي المفتاح لتنمية قدرات المرء، ومواهبه، وتحديد اتجاهاته في الحياة، وتكوين أفكاره، والارتقاء بها.. أما عصر العولمة، وتطور لغة الأرقام فيه فهو من أكثر العصور حاجة إلى الثقافة بهدف المواكبة، وحسن التعامل مع كل جديد.
إلا أن هذا الدور الغني للثقافة لا يعود له قيمة ما لم توظف الثقافة العامة في دور مجتمعي يأخذ حيزه إلى جانب أدوار غيره لينعكس هذا بالتالي على تطور المجتمع، وتماسكه… وعلى الجانب الآخر فإن الفرد لا يستطيع أن يقوم بدوره في مجتمعه بشكل صحيح ما لم تكن لديه تلك الثقافة التي تؤهله لذلك.
إن ما يكتسبه المرء من معارف، وعلوم لا يأتي إلا عبر شغف معرفي يجعل صاحبه يطلب المزيد حتى تتكون لديه تلك الحصيلة من الثقافة التي تسعف في الحياة العملية، والعلمية، وتؤهل لمشاركة مجتمعية فاعلة، وما لم يدرك الوعي حقيقة الأشياء فإنه يتخلف عن تحقيقها على أرض الواقع.. فالنقص المعرفي يشكل حاجزاً صلباً يحول بين المجتمع وتقدمه، وازدهاره، وقد يكون مدخلاً للفقر، والجهل، والمرض، بينما نحن نريد عكس ذلك، ونتطلع إلى الجسر الذي يربطنا بالتقدم، ويجعلنا قادرين على أن نعبر من خلاله إلى برٍ آخر زاخر بالعلم، والمعرفة.. وكلما تلاشى هذا الجسر الرابط كلما تضاءل عنصر الخيال، وهو من أهم عناصر الابتكار البشري.. فلا إبداع دون خيال، ولا علم، ولا اكتشاف، ولا اختراع.
هل يغني الذكاء عن الثقافة التي تغذيها المعرفة؟ بالطبع لا.. وهل تنهض المجتمعات دون أدوار فاعلة لأبنائها؟ أيضاً لا.. ولهذا فإن بناء المجتمع السليم يرتبط ارتباطاً وثيقاً بما على أبنائه من واجب يقدمونه له، وإلا لماذا كانت ثقافتهم، وما اكتسبوه من علوم، ومعارف ما لم تُسخر للهدف منها؟.. فالمثقف رائد في مجتمعه، وإذا ما غاب دوره، أو أنه تراخى نحو واجبه فلن ينهض التعليم، ولا العمران، ولا الاقتصاد متمثلاً بالصناعة والزراعة، ولا الفن والأدب، ولن تستطيع الصحة أن تقوم بأعبائها في حماية حياة المواطن.
وما بالنا اليوم ومنطقتنا العربية تتعرض لهجمات التفرقة، والعدوان التي تمزق أوصال المجتمعات، وتهدم قيمها، وتزرع فيها التعصب، والكراهية.. بينما اقتصاد الدول تهتز أركانه بسبب الأوبئة التي خرجت من أوكارها لتهاجم البشر أينما وجدتهم.. ألا يستدعي هذا منا أن نؤكد على دور الثقافة في أوقات الأزمات، وكما لم نفعل من قبل، وأن نفسح المجال للمثقفين لأن يقوموا بأدوارهم التي لن يجيدها غيرهم؟.
إنه واقع جديد أصبحنا في مواجهته، ومفاتيح الحلول لن تبقى مغيبة في الأدراج، وإنما ستخرج من مخابئها لتفتح الأبواب على قادم أفضل.
(إضاءات) ـ لينـــــــا كيــــــــلاني