الثورة أون لاين – تحقيق محمود ديبو:
سوق السروجية على موعد مع حلة جديدة تعيده إلى ألقه الذي كان عليه قبل مئات السنين، وهو واحد من أقدم الأسواق في مدينة دمشق القديمة الذي بوشر العمل بإعادة ترميمه وتأهيله منتصف الشهر الماضي، بعد أن وصلت الحالة الإنشائية له إلى وضع سيئ جداً نتيجة للإهمال والظروف المناخية وعدم اهتمام بعض الشاغلين، وظهور إشغالات لم تكن سابقاً.
ولأول مرة يتم إنجاز عمل من هذا النوع بالتعاون الوثيق ما بين مختلف الأطراف بما فيهم الشاغلين وأصحاب المحلات، وخلال الأشهر القليلة القادمة سنكون أمام سوق السروجية الذي وثقته لنا الصور القديمة وليس السوق الذي نراه اليوم بما فيه من تهدمات وتهالكات في بعض أسقفه وجدرانه.
خصوصية المشروع
عضو المكتب التنفيذي في محافظة دمشق لقطاع السياحة والآثار فيصل سرور قال قال للـ (الثورة) إن مشروع ترميم وإعادة تأهيل سوق السروجية هو أول مشروع ينفذ في محور دمشق القديمة، ويأتي ثمرة تعاون وجهود مشتركة بين المحافظة ومديرية دمشق القديمة والشركة العامة للبناء والتعمير (فرع دمشق) وهي الجهة المنفذة للمشروع، مشيراً إلى أن الخطة الموضوعة للمشروع أن يتم إنجازه خلال ستة أشهر من بدء تاريخ التنفيذ، ولكن الشركة وعدت المحافظة بالانتهاء من كافة الأعمال قبل هذا الموعد، مع العلم بأن كافة الأعمال التي تمت بهذا المشروع هي من إنجاز خبرات محلية ومتخصصة، انطلاقاً من خصوصية المشروع الذي سيعيد بناء السوق كما كان عليه قبل تعرضه للتهالك وذلك من خلال استخدام حجر اللبن والخشب وغيرها من المواد التقليدية التي استخدمت سابقاً في نباء السوق.
إحياء مهنة الجلديات
وأكد سرور أن المحافظة مهتمة بإعادة إحياء المهنة التي كانت في السوق والإبقاء عليها دون إضافة مهنة ثانية، فالسوق يعنى بمهنة الجلديات، مبيناً أنه لدى المحافظة صور توثق للسوق قبل 100 عام من الآن وسيجري العمل على إعادته كما كان في حينه، واستبعاد الإشغالات الجديدة التي وقعت عليه وإزالتها، موضحاً أن أعمال المشروع التي تضطلع بها المحافظة ممولة من موازنة محافظة دمشق بالكامل وضمن خطة موضوعة وغير صحيح أن هناك تبرعات من أي جهة أو مساعدات خارجية.
أول مشروع من نوعه
المهندس مازن فرزلي مدير مديرية دمشق القديمة قال للـ (الثورة) إن مشروع إعادة تأهيل وترميم سوق السروجية بدمشق القديمة، هو أول مشروع من نوعه يتم تنفيذه عن طريق التشاركية بين محافظة دمشق وأصحاب المحلات الشاغلين للسوق، حيث ستقوم محافظة دمشق بتمويل أعمال البنية التحتية والإنشائية (السقف والأرضيات وترميم الواجهات)، أما داخل المحلات فسيقوم أصحابها بتحمل تكاليفها، مبيناً أن الهدف هنا تشجيع التشارك بين الجهات الحكومية والجهات الشاغلة للسوق، ليكون نموذجاً لعدة مشاريع قادمة في مدينة دمشق القديمة ومنها مشروع تأهيل شارع باب توما، وشارع الدقاقين ومحور الكلاسة، وهذه المحاور مدروسة وجاهزة للتنفيذ.
عمره 800 سنة
ولفت فرزلي إلى أن سوق السروجية من أقدم الأسواق في مدينة دمشق القديمة ويعود تاريخ بناؤه إلى حوالي 800 عام، والمشروع الذي بدأ تنفيذه منتصف الشهر الماضي يعتبر باكورة مشاريع المحافظة ويشمل إعادة تأهيل السقف واستبداله بالأقواس بنفس المواد التقليدية التي بني بها سابقاً (اللبن والخشب)، وكذلك الجدران، كما سيتم رصف محور الطريق بحجارة البازلت الأسود، إضافة إلى تنفيذ الخطوط المطرية ومد شبكة الكهرباء والهاتف عبر الأرض بحسب توصيات اللجان الأثرية والجهات الوصائية من اليونسكو، على اعتبار أن السوق هو شريحة أثرية مسجلة لدى اليونسكو.
حالة إنشائية سيئة
وقال فرزلي إن ما استدعى هذا العمل هو الحالة الإنشائية السيئة جداً للسوق حالياً ولولا أنه تم التدخل وإعادة الترميم فقد كان من المحتمل حدوث انهيارات في الأسقف والجدران، مع الإشارة إلى أن الحالة الراهنة التي كان عليها السوق موثقة بالصور قبل بدء عملية الترميم، وهي توضح الخشب المهترء والمداخلات الحاصلة من قبل بعض شاغلي السوق من خلال البناء بمواد حديثة غير التي تم البناء بها سابقاً..
نتائج قريبة
ومن خلال عملية الترميم هذه سيتم توحيد الواجهات التقليدية للمحلات وإزالة التشوهات الموجودة وإعادة وضع السوق إلى الحالة الأولى التي بني بها، أي أنها عملية إعادة تأهيل وتجميل للسوق، وخلال أسبوعين من الآن سنبدأ نشهد ملامح واضحة ستنجم عن أعمال الترميم منها الأقواس الحاملة للسقف، وختم فرزلي بالقول إننا نسعى ليكون هذا المشروع نموذجاً يعطي رسالة مؤداها بأننا ما زلنا قادرين على التنفيذ والإنجاز وتقديم النتائج الصحيحة في الوقت الصعب.
استخدام المواد التقليدية
المهندس عبد الناصر عمايري رئيس لجنة التراث في فرع دمشق لنقابة المهندسين قال للـ (الثورة) إن مشروع ترميم وإعادة تأهيل سوق السروجية يعتبر من المشاريع النوعية فعلاً لأنه يعتمد على مبدأ التشاركية في إعادة الشكل التراثي الحقيقي للسوق وهو من أقدم أسواق دمشق، وبسبب وضعه الإنشائي الحالي يتم إعادة تأهيله ويستخدم في ذلك المواد التقليدية وهناك تعاون وجهود كبيرة من قبل الجهات المتشاركة في هذا العمل للوصول إلى نتائج ممتازة، ومنذ البدء بأعمال الترميم والتأهيل التي لم يمض عليها وقت طويل بدأنا نلمس خطوات مهمة رغم الصعوبات التي تواجه الشركة المنفذة للعمل، ونحن في نقابة المهندسين مستعدون لتقديم أي خدمات أو مساعدة فنية وخبرات هندسية قد يحتاج إليها فريق العمل.
الشركة المنفذة
بدوره المهندس جهاد المولى المشرف على تنفيذ المشروع وهو ممثل الشركة العامة للبناء والتعمير (فرع دمشق) أشار في حديثه للـ (الثورة) إلى أن المشروع جاء بناء على عقد موقع بين محافظة دمشق وفرع الشركة بدمشق لتنفيذ العمل وقد أخذنا أمر المباشرة بالبدء منذ حوالي الأسبوعين تقريباً، والعمل نوعي ويحتاج كل الكادر الفني والمعماري والإنشائي بالشركة الذي تم تكليفه بالعمل، وسيتم إنجازه خلال ثلاثة أشهر.
صعوبات غير متوقعة
وبين المولى أنه ومع البدء بالعمل ظهرت بعض الصعوبات والأمور التي لم تكن ملحوظة ببنود العقد، ولكن بالتعاون مع مديرية دمشق القديمة ومحافظة دمشق يجري العمل تباعاً على حل كل المشكلات والمتعلقة بالمخططات وحلها بشكل جذري وهذا يعطي دفعاً للمشروع ويمنع التأخير، مشيراً إلى أن الشركة واجهت صعوبة في تأمين المواد الأولية التي ستستخدم في إعادة التأهيل والترميم (حجر اللبن) والتي تحتاج إلى وقت للتصنيع، ومع ذلك فقد تم التعامل مع هذا الجانب وسيتم إنجاز الأقواس الخشبية للسوق بالشكل المطلوب مع إعادة نفس الروح لها، حيث يتم اعتماد تقنيات أعلى في إعادة الترميم والتأهيل إن كان بالأقواس والمخدات الحاملة للأقواس وبالجدران حيث نزلنا إلى الأساس الحقيقي للتأكد من أن عملنا سليم ودقيق، وبدأنا البناء، وقد جرى تعديل على المخططات بسبب ما فرضه واقع العمل بعد المباشرة بأعمال الترميم على اعتبار أنها حلول فرضتها طبيعة المشروع.
قياسات متعددة
المهندس أيهم علي من شركة البناء والتعمير (فرع دمشق) قال إن المشروع نوعي ولا يشبه أي مشروع آخر في غيره من الأسواق التي جرى العمل بها سابقاً، ويحتاج إلى دقة وتعامل مع كل تفصيل بأناة حيث نجد أن الأقواس ليست بقياسات واحدة وكل قوس له مقاس وهنا تكمن الصعوبة في العمل لكن نعمل على تجاوز تلك المشكلات وإعادة السوق إلى ما كان عليه باستخدام المواد اللازمة لذلك