الثورة أون لاين – ترجمة ختام أحمد:
في بعض الأحيان تموت الديمقراطيات من الفساد أو الفاشية أو الانقلاب العسكري، لكن في أحيان أخرى تموت بالاستسلام للغباء المطلق.
مثال على كيفية حدوث ذلك، أنه في الثاني من شباط الحالي أعلنت وزارة الخارجية الأميركية أن إدارة بايدن تحتضن وتدافع عن التعريف العملي لما يسمى “معاداة السامية” الذي وضعته مجموعة تعرف باسم التحالف الدولي لإحياء ذكرى “الهولوكوست”، وقالت الوزارة: “إننا نشكر الدول والهيئات الدولية التي تطبق إحياء الذكرى ونحث كل من لم يفعل ذلك أن يفعل الشيء نفسه”.
ما هي المشكلة إذاً؟ بالأصل “معاداة السامية” هي المشكلة المعترف بها عالمياً، فما الضرورة والحكمة من وجود تحالف دولي لإحياء مثل هذه الذكرى؟.
تأسس التحالف الدولي لإحياء ذكرى “الهولوكوست” في ستوكهولم عام 1998، وهو ما يسميه البريطانيون “quango” وهي منظمة غير حكومية لا تخضع للمساءلة أمام أحد، ولكنها اكتسبت بطريقة ما مكانة هائلة على الرغم من أنه لا أحد يستطيع معرفة السبب.
كان رئيسها الأول “إيلي ويزل” الذي كان همه الأول انتقاد كل من لا يدين جرائم النازية المزعومة ضد اليهود، بينما رفض قول كلمة واحدة عن الجرائم الوحشية واللا أخلاقية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين.
أشار ديفيد هيرست، مراسل صحيفة الغارديان في الشرق الأوسط، في كتابه الصادر عام 1977، إلى أنه تحت عنوان “غزو العمال” سعى الصهاينة في فلسطين قبل عام 1948 إلى دفع العرب خارج سوق العمل والأسواق الزراعية، وحاولوا منع العمال العرب من الحصول على وظائف، وحرقوا معظم المحاصيل الزراعية وقطعوا أشجار الزيتون وسكبوا الكيروسين على الطماطم العربية المزروعة، بل إنهم هاجموا الإسرائيليات في الأسواق وأتلفوا كل مشترياتهن ذات الإنتاج العربي، حتى البيض العربي كسروه، كان بعض الإسرائيليين مذعورين من الذي يفعله جنودهم لأن هذا هو بالضبط ما كان يفعله النازيون باليهود كما علموهم.
التحالف الدولي لإحياء الذكرى يشير فقط إلى أشخاص يتهمهم بمعاداة السامية، ولكنه لا يجرؤ ولو بالإشارة إلى التمييز العنصري المفتوح ضد الفلسطينيين وعلى نطاق واسع وهم أصحاب الأرض، حيث يواجه الفلسطينيون مجموعة من القيود عندما يتعلق الأمر بالزواج أو الطلاق أو البحث عن عمل أو شراء عقار أو استئجار شقة وفي جميع نواحي الحياة، والجميع يعرف ذلك، وكل من يشير إلى جرائم إسرائيل ولو بكلمة واحدة يعتبر معاد للسامية.
في عام 1948، وقع ألبرت أينشتاين، وهانا أرندت، وسيدني هوك على رسالة تدين حزب الحرية اليميني المتطرف الذي يتزعمه رئيس الوزراء مناحيم بيغن، وهو حزب الليكود اليوم، باعتباره “قريباً جداً بتنظيمه وأساليبه وفلسفته السياسية والاجتماعية إلى الأحزاب النازية والفاشية “.
في عام 1995، استعرض المتظاهرون اليمينيون صور رئيس الوزراء إسحاق رابين بزي قوات الأمن الخاصة قبل اغتياله مباشرة على يد رجل صهيوني متطرف يدعى إيغال عامير. وفي عام 2012، ارتدى المتظاهرون الأرثوذكس المتشددون في القدس نجوم داوود الصفراء للتأكيد على أن القادة العلمانيين الإسرائيليين ليسوا أفضل من هتلر، هل هذا يجعل من أينشتاين معاد للسامية؟ أم الحريديم؟ أم إن المجتمع الصهيوني بأكمله مدين بشكل جماعي لإسرائيل والمسؤولية جماعية، أليس من المثير للاهتمام كيف يتلاءم المفهومان معاً؟ أليس من المستغرب أن تحتضن إذاً واشنطن التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست بهذه الطريقة بعد كل ذلك؟!.
يعتبر جو بايدن صهيونياً هكذا نصب نفسه – “أنا صهيوني، ليس عليك أن تكون يهودياً لكي تكون صهيونياً”- في السنوات التي قضاها في منصب عضو مجلس الشيوخ ونائب الرئيس، كان شريكاً في كل الفظائع الأميركية من الاعتقال الجماعي إلى غزو أفغانستان والعراق، إلى الإرهاب المدعوم من الولايات المتحدة في سورية، والحرب الجوية المدعومة من الولايات المتحدة في اليمن وهلم جرا.
ووسط المخاطر المتزايدة لحرب أخرى في الخليج، فإن هدف إدارته واضح وهو إسكات منتقدي السياسة الأميركية الإسرائيلية من خلال تهديدهم بأسوأ جريمة فكرية على الإطلاق.
ومع ذلك، ليس هذا هو السبب الوحيد للقلق، يجب على المعارضين الحقيقيين لمعاداة السامية أيضاً أن يكونوا مستعدين، لأن تأثير مثل هذا الخطاب هو تقويض للمفهوم ذاته، لأنه من الصعب انتقاد إسرائيل وأفعالها الإجرامية، ومن يفعل ذلك ينتهي الأمر به ليكون معادٍ للسامية بطريقة أو بأخرى.
إذا كانت أعظم حيلة قام بها الشيطان على الإطلاق هي جعل الناس يعتقدون أنه غير موجود، فإن أعظم حيلة قام بها الصهاينة هي جعل الناس يعتقدون أن معاداة السامية هي عمل احتيالي مصمم لجعلهم يصطفون خلف حروب الشرق الأوسط ويدعمونها.
بقلم: دانيال لازار