الملحق الثقافي:أيمن أبو الشعر:
كان “فارس” وهو في الخامسة من عمره، صاحب خيال وقّاد.. اصطحبتهُ والدته مع أخته لشراء بعض الأغراض. في الطريق، كان ينظر دائماً إلى الخلف، ويتحدَّث مع ظلالهم وأمه تنهره لتأخره، إذ لا بدَّ من الاستعجال في ظروفِ الحربِ الطاحنة، حيث تكون الشوارع خطرة ويجب الإسراع في العودة إلى البيت الأقل خطراً على الأقل.
كان “فارس” ينزعج كلَّما مرَّ إنسان فوق ظلِّ أحد منهم، بل كان يتعمَّد أن يعيق المارة لكيلا يدوسوا على ظلالهم، لأنه يعتقد أنها في الحقيقة أرواحهم، وكان يقول لأمه: “كم أرواحنا لطيفة وخفيفة، وهي تقصر وتطول، وتتحول من اليسار إلى اليمين وبالعكس لتمازحنا”.. فتضحك أمه وتقول له: هذه ظلال يا “فارس” وهي لا تفارق أصحابها أبداً.. فجأة انفجرت قذيفة بالقرب منهم، ولم يعد يشعر بشيءٍ سوى أنه ممدَّد على الأرض..
رأى أن الظلال بدأت تغادرهم وتصعد رويداً رويداً من أجسادهم.. أراد أن يقول لأمه: انظري.. تقولين إن الظلال تبقى مع أصحابها دائماً، ها هي تغادرنا”. قال هذا، إلا أنه لم يستطع فتح فمه، وشعر بنعاسٍ شديد، واستغرب لماذا ينام بلا مخدَّة وبلا غطاء، ورأى أن أمه وأخته كانتا تغطَّان في نومٍ عميق، وأيضا بلا مخدَّة ولا غطاء.. تنبه إلى أن الجو حار لا يحتاج إلى غطاءٍ فابتسم، وما زالت الابتسامة على شفتيه حتى الآن…
التاريخ: الثلاثاء9-3-2021
رقم العدد :1036