على الرغم من أن الحكومة تبذل جهوداً كبرى – في نظرها على الأقل – من أجل تلافي مجمل التشوّهات الحاصلة في الفلك الاقتصادي السوري، والتي أوصلتنا (التشوّهات) إلى ما نحن عليه اليوم من أزمات متلاحقة وخانقة تقضّ مضاجع الناس وتُشعرهم بالمخاطر التي باتت تطوق حياتهم من اتجاهات متعددة، سواء كان بانخفاض مستوى المعيشة الناجم عن ارتفاع الأسعار إلى مستويات غير مسبوقة وبعشرات الأضعاف مقارنةً مع ما كانت عليه، أم بانخفاض مستوى الدخل الذي لم يستطع تحقيق أي توازن ولا قدرة على اللحاق بتلك الأسعار أمام التراجع الكبير للقدرة الشرائية التي تفقدها الليرة يوماً وراء يوم عبر تسجيلها لخسارات متلاحقة بمعارك سعر الصرف في ساحاته المظلمة السوداء، إذ لم يفدْ كثيراً تثبيت هذا السعر في المركزي والبنوك، وبقي التأثير إزاء ذلك محدوداً جداً وكأنه يسبح بعكس تيارٍ جارف لا يقوى على صدّه.
فعلى الرغم من تلك (الجهود الكبرى) فإن الإجراءات الحكومية لم تُظهر تلك الفاعلية القوية في قدرتها على التحكّم والسيطرة، ولا على إظهار أثر حقيقي مرئي على الأرض، وبدأت الأمور وكأنها تسير بلا ضابط ولا مكابح ولا أي علاج فعّال وناجع.
صحيح أن الحكومة وطوال السنوات العشر السابقة لم تستطع أن تثبت أنها أخذت دورها وتمكّنت وتحكّمت واتخذت إجراءات استباقية أو حتى لاحقة تكون مؤثرة فيما يحصل، ولكن وعلى الرغم من ذلك فإن هذا الدور في الحقيقة ليس دوراً حكومياً بحتاً، إنه دور مجتمعي أيضاً ويكاد يكون شاملاً، وكان علينا أن نعي دور إجراءاتنا نحن، ونبتعد عن كل ما من شأنه الوصول بالأمور إلى ما وصلت إليه.
فمثلاً ونحن في حالة الحرب والحصار اتجه الكثيرون من الناس – وكلّ حسب طاقته – لشراء الذهب واكتنازه، إن على شكل حليٍّ أم ليرات ذهبية أم غير ذلك، وراح كل من اشترى ذهباً ينتظر باغتباط ارتفاع أسعار الذهب ليعتبر نفسه منتصراً بتحقيق العوائد، وهو بذلك يحقق عوائد فعلاً ولكنه سرعان ما يكون قد وضعها بأماكن أخرى إذ يخسرها جراء ارتفاع أسعار المواد والخدمات والاحتياجات، لأن ارتفاع أسعار الذهب لا يحصل إلا ويكون قد انتزع هذا السعر من حساب أسعار الصرف، فالمعادلة كلها متكاملة ولا تنفصل هذه الجزئيات عن بعضها، فلولا الهلع والهبّة المجتمعية على اكتناز الذهب لما اشتدّ الطلب عليه، ولما وصل إلى مثل هذه الأسعار الخرافية، ولما تردّت القيمة الشرائية لليرة بهذا الشكل، فالذين تخوّفوا من تراجع سعر صرف الليرة واتجهوا نحو شراء الذهب لاكتنازه هم الذين ساهموا وإلى حدٍّ كبير بتحويل ذلك التخوّف إلى حقيقة على الأرض، فما اكتسبوه من الذهب خسروه في جوانب أخرى.
كان الأجدى في مثل هذه الحالة هو الاتجاه نحو الاستثمار المنتج وعدم تجميد الأموال على شكل ذهبٍ بلا حراك.
على الملأ- علي محمود جديد