الثورة أون لاين – ترجمة ميساء وسوف:
إذا كان هناك من يأمل في أن يؤدي التمديد السريع وغير المشروط لاتفاقية ستارت الجديدة إلى إطلاق حوار أمريكي روسي متجدد حول الاستقرار الاستراتيجي والسيطرة على الأسلحة، فقد تلاشت هذه الآمال بعد أن وصف الرئيس الأمريكي نظيره الروسي بأنه “قاتل”, بالإضافة إلى رفض بايدن بشكل قاطع فكرة المناقشات الأمنية التي قدمها الرئيس فلاديمير بوتين.
كما أنه وقبل اجتماع “2 + 2” بين الولايات المتحدة والصين في أنكوراج ، ألاسكا، كان من الممكن أن تكون هناك توقعات بحدوث انفراج محدود على الأقل بين واشنطن وبكين، ولكن الآن بعد هذا الاجتماع المتوتر للغاية وغير المثمر فقد تبخرت هذه التوقعات فوراً.
لا يسع المرء إلا أن يخمن لماذا اختار فريق بايدن الاستمرار في نهج “الاحتواء المزدوج” الذي اتبعه أسلافه تجاه المعارضين الجيوسياسيين الرئيسيين للولايات المتحدة بمثل هذه الحماسة والحيوية التي لا هوادة فيها، ربما قرروا في البيت الأبيض أن أي مرونة في السياسة الأمريكية سيتم تفسيرها في موسكو وبكين على أنها علامة على الضعف ودعوة للحصول على مزيد من التنازلات من الإدارة الأمريكية، وربما يكون بايدن قلقاً بشأن الانتقادات المحتملة بأن اتباع نهج أكثر مرونة يمكن أن يولد ردود فعل قوية من الجمهوريين ممن هم من المحافظين الجدد، ومن دونالد ترامب المهزوم والذي لم يُدمّر سياسياً بالكامل.
ربما من خلال إتباع هذا الخط المتشدد، تعتزم الإدارة الجديدة أن تُظهر للشعب الأمريكي وللحلفاء والشركاء الأمريكيين في الخارج التزامها بأجندة تعزيز حقوق الإنسان والديمقراطية.
على أي حال، مع مجيء بايدن إلى البيت الأبيض، لم تتغير قواعد اللعبة على رقعة الشطرنج الأوروبية الآسيوية، حيث تواصل إدارة بايدن، كما كانت إدارة ترامب قبلها، دفع العالم نحو ثنائية القطبية الجديدة، لذلك لا ينبغي أن يكون مفاجئاً لقاء وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع نظيره الصيني وانغ يي في “غويلين” في أول زيارة له إلى البلاد منذ تفشي فيروس كورونا.
إن الهدف الرسمي من الزيارة هو مناقشة الذكرى السنوية العشرين لمعاهدة حسن الجوار والتعاون الودي بين جمهورية الصين الشعبية والاتحاد الروسي الموقعة في تموز من عام 2001، كانت المعاهدة بالفعل إنجازاً رائعاً للتعاون بين البلدين. لكن المحادثات الجارية بين لافروف ووانغ لا تقتصر على التعبير عن الإعجاب المتبادل بل إنها تركز في الغالب على كيفية عمل موسكو وبكين جنباً إلى جنب للرد على الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة.
وهناك العديد من الطرق للقيام بذلك، بدءاً من التصويت التضامني في المنظمات الدولية إلى تنسيق استراتيجيات المعلومات الوطنية، والعمل مع البلدان ذات التفكير المماثل في جميع أنحاء العالم والتعاون المتبادل لمنع تدخل الولايات المتحدة في الشؤون الداخلية لروسيا والصين.
ليست لدى موسكو ولا بكين أي أوهام حول وجود فرص لإصلاح مشاكلهم مع واشنطن في أي وقت قريب، وسيقوم وزيرا الخارجية بصياغة نموذج جديد ومُطوّر للشراكة الاستراتيجية الثنائية لسنوات قادمة، ولكن على الرغم من أن المصلحة المشتركة في الاستجابة للضغوط الأمريكية المتزايدة ليست بالتأكيد المحرك الوحيد لعلاقات اقتصادية وسياسية وعسكرية أوثق بين روسيا والصين، فإن العامل الأمريكي يمثل حافزاً إضافياُ مهماً لجعل هذه العلاقات أكثر تنوعاً وتكثيفاً.
كانت المحطة التالية لوزير الخارجية لافروف، بعد الصين،هي كوريا الجنوبية، حيث يمكن للوزير الروسي أن يجد الكثير من القضايا لمناقشتها مع المسؤولين هناك والتي لا علاقة لها بالولايات المتحدة. لقد مرت 30 عاماً منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين موسكو وسيؤول وجاءت هذه الزيارة لتكون فرصة رائعة للتفكير في الثلاثين عاماً القادمة.
ومع ذلك، في ظل هذه الظروف سيحاول لافروف بلا شك اختبار حدود “الاستقلال الاستراتيجي” لجمهورية كوريا عن واشنطن، صحيح أن جمهورية كوريا هي حليف للولايات المتحدة وتعتبر أمريكا المزود الأمني الرئيسي لها، ولكن ومع ذلك فإن سيؤول لديها علاقات خاصة مع بكين وموسكو وهي ليست على استعداد للتخلي عن هذه العلاقات، وتظل العلاقات الاقتصادية بين جمهورية كوريا والصين حاسمة لازدهار كوريا الجنوبية والتي يختلف نهجها تجاه كوريا الشمالية عن مواقف الولايات المتحدة أو اليابان، من الواضح أن القيادة الكورية الجنوبية ليست مستعدة للاشتراك تلقائياً في أي سياسات جديدة معادية لروسيا أو للصين.
ستعتمد نتيجة اللعبة الكبرى على رقعة الشطرنج العالمية على ما إذا كان هناك لاعبون إقليميون جريئون بما يكفي للتشكيك في التفكير ثنائي القطب القديم النابع من واشنطن اليوم، وأما بالنسبة إلى نتائج زيارة لافروف إلى سيؤول فهي مثيرة للاهتمام ويجب أخذها بعين الاعتبار.
المصدر RIAC