الثورة أون لاين – ترجمة ليندا سكوتي:
صرح الرئيس الأميركي باراك أوباما قبل ثماني سنوات بأن “عقداً من الحروب أوشك على النهاية”، ولكنه ما لبث أن وسع “الحرب الأبدية” التي سبق وأن انتقدها، وهي حرب أُطلقت لمواجهة الإرهابيين في أفغانستان عام 2001، إلا أنها امتدت أيضاً لتشمل العراق والعديد من الأعداء الجدد في دول عدة.
أما الآن، فإن الرئيس بايدن يطلق تصريحات يعرب فيها عن إمكانية “إنهاء الحروب طويلة الأمد”، ويطالب الكونغرس باستبدال التفويضات الصادرة عامي 2001 و2002 (التي أتاحت شن حروب على مرتكبي أحداث 11 أيلول وعلى العراق) وتحديدها ضمن “إطار ضيق ومحدد”، وفي هذا السياق نرى أنه على الكونغرس تبني رؤيته.
ولكن علينا ألا ننخدع بتلك العبارات، إذ يجب على الرئيس والكونغرس التوجه إلى أبعد من مجرد تضييق تفويضات الكونغرس السابقة للحرب، ذلك لأن تلك التفويضات تتيح استمرار الحرب واحتفاظ الرئيس بصلاحيات لا حدود لها للقتال في أي مكان وإلى أجل غير محدد.
ولكي نتفهم أهمية التحديد لنهج إنهاء الحروب الأبدية، نحتاج لإلقاء نظرة على الضربات الجوية التي شنها بايدن على شرق سورية في 25 شباط، فعلى الرغم من أن الولايات المتحدة لا تخوض حرباً ضد سورية أو إيران، ولم يأذن الكونغرس بشن تلك الضربات، فقد وجه الرئيس بإطلاقها بناء على سلطته المستقلة بموجب المادة الثانية من الدستور التي تنص على “إدارة الرئيس للعلاقات الخارجية للبلاد بصفته القائد العام والرئيس التنفيذي”، لذلك نرى أن تقييد قوانين عامي 2001 و2002 لن تؤثر على سلطات الرئيس.
لقد جرى تنفيذ الضربات على سورية دون موافقة الكونغرس، وذلك بموجب المادة الثانية التي تتيح للرئيس الإقدام على ما يسمى بحرب “خفيفة الأثر” بمعنى إطلاق ضربات (سواء بطائرات مسيرة أم مأهولة) وصواريخ كروز وهجمات الكترونية واتخاذ إجراءات خفية تديرها قوى العمليات الخاصة خدمة “للمصالح القومية”. ويلجأ محامو السلطة التنفيذية إلى التمسك بعبارة “المصالح القومية” بهدف التغطية على أي إجراء قد يرغب الرئيس في تنفيذه باسم الدفاع عن النفس أو أي مبرر ذي صلة بحيث يستطيع توجيه ضربة إلى أي مكان في جميع أنحاء العالم لمواجهة التهديدات الإرهابية حتى لو كانت محدودة بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها، وقد ذهبوا أبعد من ذلك في تسويغ التفرد بالقرار الرئاسي مثل تخفيف الأزمة الإنسانية، ودعم المنظمات الدولية والحفاظ على الأمن الإقليمي، لذلك منحوا الرؤساء تفويضاً في تجاهل أي قيود تفرضها الأمم المتحدة.
وفي هذا السياق، فإن القوة العسكرية الأحادية غير المحدودة التي يتمتع بها بايدن ترتبط بادعائه المتعلق بالرغبة في “الخروج من أفغانستان”، إذ يبدو أن موعد الانسحاب المزمع إجراؤه في 1 أيار يخضع حاليا “لمراجعة صارمة” أخرى، وقد يفضي إلى إعادة التفاوض لإبقاء القوات الأميركية في ذلك البلد، ولكن في حال مغادرتها، فلدى الرئيس سلطة تنفيذ المادة الثانية التي تخوله إطلاق طائرات مسيرة واستخدام القوة لمجابهة أي تهديد إرهابي في أفغانستان حتى في ضوء غياب تفويض الكونغرس.
لقد بات شن ضربات على أفغانستان أو أماكن أخرى أمرا ممكنا بفضل القوى العسكرية الهائلة المنتشرة والمؤيدة لخوض الحروب والتي لن تتأثر أيضا بتضييق التفويضات القانونية على ممارسة القوة، فهناك 45000 جندي أميركي في منطقة الخليج، وتملك الولايات المتحدة قواعد عسكرية دائمة في سائر منطقة الشرق الأوسط، كما يوجد قرابة 6000 عسكري أميركي يعمل في مواقع عسكرية متعددة في جميع أنحاء أفريقيا.
ولا ريب بأن تلك الأرقام لا تتضمن القوات الهائلة التي تديرها وكالة المخابرات المركزية وقيادة العمليات الخاصة، التي لا يعلم عنها الشعب إلا القليل. وعلى سبيل المثال، وسعت وكالة الاستخبارات المركزية مؤخراً برنامج الطائرات المسيرة الذي يدار من النيجر، كما جرى اغتيال قائد العمليات شبه العسكرية في السي أي أيه في معارك الصومال شهر تشرين الثاني، بالإضافة إلى اشتراك قوات العمليات الخاصة في عمليات عسكرية محدودة في أفريقيا وأفغانستان والشرق الأوسط ومناطق أخرى، ما أسفر عن مصرع العديد من الأميركيين وعدد لا يحصى من الجنسيات الأخرى.
عندما يتحدث الرئيس بايدن عن إنهاء الحروب “الأبدية”، فإنه يكرم ولو جزئيا ما تحقق من نجاح في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب من ردع “للقاعدة” وإلحاق للهزيمة ب”داعش”، ويمكننا القول بأنه حتى اللحظة مازال يؤكد نيته بإنهاء الحروب رغم فشل ترامب في تنفيذ ذلك الهدف.
ولكن يواجه الرئيس بايدن والكونغرس خياراً أساسيا، فقد تكون التهديدات الإرهابية شديدة الوطأة، لذا يجب الاحتفاظ بسلطة تقديرية واسعة لمواجهة القوة القاتلة أو استباقها، ومع ذلك، ينبغي على القوى الخاصة بعمليات الانخراط العسكري الواسع أن توضح للشعب الأميركي حقيقة ما يجري، بالإضافة إلى ذلك، يتعين على الرئيس ألا يضلل الشعب الأميركي مدعياً أن تعديل تفويضات الكونغرس الصادرة عامي 2001 و2002 سيكون له تأثير ملموس على الحروب الأبدية التي تخوضها الولايات المتحدة، أما في حال استمرار البلاد بتلك الحروب فينبغي على بايدن والكونغرس الإفصاح للشعب الأميركي عما يتخذ من إجراءات باسمهم.
ولإنهاء الحروب الدائمة علينا الانخراط في تعديل حقيقي للصلاحيات الرئاسية المتعلقة بشن الحروب، وقد كشف أوباما قبل ثماني سنوات بأن “القوة وحدها لا تجعلنا نشعر بالأمان” وأضاف أنه حتى عندما يُقتل الإرهابيون فإن ثمة مخاوف من أن “يفضي أي عمل عسكري أميركي في أرض أجنبية إلى خلق المزيد من الأعداء”.
وإن كان أوباما مصيباً فيما ذهب إليه، فينبغي على الكونغرس أن يتخذ إجراءات أبعد من سحب التفويضات السابقة وتخفيف الوجود العسكري الأميركي المكثف في الخارج، بل يجب عليه أيضا الحد من صلاحيات الرئيس المتعلقة بشن الحرب من خلال منع التفرد في اتخاذ القرار إلا في حالات محددة للدفاع عن النفس، بالإضافة إلى قطع تمويل الحروب الرئاسية التقديرية.
إن إتباع تلك الخطوات، بالإضافة إلى تعديل تفويضات الكونغرس الصادرة عامي 2001 و2002، ستفضي إلى تحقيق تقدم نحو إنهاء الحروب الطويلة الأمد.
المصدر: نيويورك تايمز