افتتاحية الثورة – بقلم رئيس التحرير – علي نصر الله:
للمرة الرابعة في عامين أجرى الكيان الصهيوني انتخابات للكنيست وسط أزمة الانقسامات الحادّة في مُجتمع المستوطنين، أحزاباً وناخبين من مُختلف التيارات، وصولاً إلى الانتخابات الحالية التي بَدا التنافس فيها بين كُتلتين، الأولى: كتلة نتنياهو، والثانية: كتلة لا نتنياهو، وقد كان شعار أحزاب الكتلة الثانية واضحاً، ومَطلبها أكثر وضوحاً، فاختُزلت شعاراتها ومطالبها بعبارة “استبدال نتنياهو”، ليَصح مع ذلك السؤال: هل أصبح نتنياهو أزمة للكيان؟ أم أنه الكيان المأزوم بمُمارساته، بأصل وُجوده، وبرباط الفجور الذي يَشده إلى حُماته؟.
رغم كَثرة الفساد وطُغيان التطرف في الكيان الصهيوني ربما يكون فساد وتَطرف بنيامين نتنياهو قد شكّل أزمة للكيان، ذلك بتوقيت تَفجر الأزمات المُتعددة عند داعميه في الغرب وأميركا، غير أنّ الانقسامات السياسية الحادّة التي أفرزتها انتخابات الكنيست المُتكررة التي أفرزت بدورها أزمة سلطة وأزمات اقتصادية واجتماعية داخلية، إنما هي بواقع الأمر انعكاس مُباشر لحالة لا علاقة لها باليمين واليسار داخل الكيان، بل تُترجم الفشل الذي يُمنى به الكيان وكل من يَدعمه، في مَشروعهم المُشترك الذي يَستهدف سورية وإيران والمقاومة، الذي يَستهدف المنطقة بل وما هو أبعد منها، فالصين وروسيا لا تَنأيان عن الاستهداف.
الكيانُ الصهيوني في أزمة، أميركا في أزمة، الغرب مَأزوم، هي حقائق دامغة لا يُنكرها أي طرف، إنما يَحتال الجميع على أزماتهم التي تبدو مُتعددة بينما هي أزمة واحدة، أزمة مشروع الهيمنة والنهب والسيطرة ومُحاولة تَمكين الإرهاب وإحلاله مع ما يَقتضيه ذلك من تَمزيق الدول الوطنية وتَقسيمها وازدراء القوانين الدولية وعدم الاكتفاء بالقفز عليها ومُخالفتها.
من كندا إلى أستراليا مروراً بأميركا والغرب، مَشروعٌ واحد يَشد الجميع برباط الفجور والتطاول. الإصرارُ على تَنفيذه أنتجَ حتى الآن أزمات غير مَسبوقة على مُستوى القيم كما على المُستويات الأمنية والاقتصادية والسياسية، وإنّ من يُكابر ويَتوهم ولا يعترف بأزمته، هو أعمى من أن يَرى ولن يَرى، بدليل أنّ ما حصلَ مع بايدن وترامب ليس مُجرد سابقة، وبدليل أنّ ما يَحصل مع ماكرون ومن قبله مع أولاند وساركوزي وماي وجونسون وأردوغان وغيرهم، لا يُعد تَعثراً، وليس صحيحاً أنه لا يَعكس أزمة كُبرى، وليَثبت أنّ ذلك ليس مُجرد أزمات مَحلية.
منذ نشأة كيان الإرهاب الإسرائيلي لم يَستعصِ تَشكيل الحكومة فيه كما هو الحال اليوم وسطَ الانقسام وعدم تَحصيل أغلبية ائتلافية داخل الكنيست، فما التّحولات التي وَقعت لتَحول دون هدم الخلافات بين الأحزاب الصهيونية، بل حتى بين أحزاب الكتلة الواحدة؟ ولماذا ترفض الرؤوس الحامية في اليمين واليسار رؤيتها وتُصرُّ على عدم الاعتراف بها كأزمة هي أعمق من “استبدال نتنياهو” وليس في الساحة الصهيونية إلا مُستنسخات عنه في تطرفها وفسادها؟.
إنّ العناوين التي يَطرحها نتنياهو، وإنّ الادّعاءات التي يَرفعها هو وخصومه، وإنّ الشراكة التي تَربط الغرب وأميركا مع الكيان الصهيوني، هي ما يَعكس حقيقة أزمات هذه الأطراف مُجتمعة، ذلك أنّ العناوين والادّعاءات المَطروحة تُوحد وتَجمع هذه الأطراف، كأطراف وككتلة صلبة واحدة، تَعمل بروح الفريق الذي يَستميت لتَسجيل الأهداف ذاتها من دون جدوى!.
نتنياهو الذي يَتطلع لحكومة يَمينية قوية ومُستقرة، والذي يَنشد أغلبية تَصطف خلف الليكود وتُشاطره الرؤية ذاتها في الاستيطان وبمُواجهة طهران، في قَطع خطوات إضافية على طريق التطبيع مع الخليج وبإبطال قرار الجنائية الدولية التحقيقَ بجرائم الحرب الإسرائيلية، في التغلب على الصعوبات الاقتصادية وبتحقيق التّفوق العسكري والأمني، ما الذي يَحول دون شراكته مع نفتالي بينيت أو مع أفيغدور ليبرمان – مثلاً – وكلاهما في التّطرف معه واحد، فضلاً عن الانصهار معهما بتلك العناوين، مع إضافة أنّ الاثنين وليس أحدهما لا يَتقبل أي صيغة تَجمعه مع “العرب والحريديم” مثلاً؟.
ما من مَعنى لأزمة الكيان الصهيوني سوى أنّ أزمته هي أكثر عمقاً من كل ما يُقال؟ بل إنها جزء من أزمة مشروع صهيوأطلسي تَقوده أميركا بالشراكة مع الغرب، وبالتكافل والتضامن مع آخرين ممن لا وزن لهم إلا بميزان الفجور والتبعية وقَبول المَذلة والإذلال. ستَتَعمق أزمة المشروع الصهيو – أميركي – الوهابي – العثماني .. الأيام بيننا.