الثورة أون لاين – ديب علي حسن:
ذات يوم في بيت الشاعر الكبير الراحل سليمان العيسى وفي استعادة الذكريات التي روى لي قسماً كبيراً منها .. جاء ذكر الراحل الفيلسوف زكي الأرسوزي ونضاله من أجل الحرية والاستقلال والكرامة وكيف كان بيت السبكي الذي ينزل فيه الأستاذ كما كان لقبه وسيبقى..
في هذا المنزل تعقد ندوات فكرية كثيرة كل يوم ثمة نقاش ومن البيت تكتب المناشير ضد المستعمر الفرنسي..
وذات يوم اكتشف المستعمر المصدر الأول للمناشير وعاقبوا الأستاذ الأرسوزي سألته: ما العقوبة فقال تم إبعاده إلى اللاذقية .. فقلت له .. وهل هذه عقوبة؟ ابتسم الشاعر وقال: هل تعرف كيف وصل إلى اللاذقية؟.. لا.. فقال مشياً تم نفيه إلى اللاذقية..
اليوم وفي ذكرى تأسيس البعث كنا أمس قد أشرنا إلى البدايات التي تحدث عنها فايز إسماعيل في كتابه البدايات .. وقد توقف مطولاً عند بيت السبكي ودور الأرسوزي في التنوير والعلم والمعرفة..
والتنظير الفكري … وكان لافتاً قول الأستاذ فايز إسماعيل (ص٢٩): إن الأرسوزي لم يكن كاتباً بمجلة البعث حينها .. ولم تكن اللغة العربية مطواعة بيده .. بيد أنه بدأ الكتابة في النصف الثاني من الأربعينيات.. حتى الكتاب الذي ألفه .. العبقرية الغربية في لسانها تم إصداره وتصحيحه بمساعدة من الشباب .. ولعل من ميزات الأرسوزي كما يضيف إسماعيل الكبيرة أنه درس اللغة بإصرار ونجح في ذلك نجاحاً باهراً.
اللغة وطن وهوية..
أولى البعث أهمية كبيرة للغة العربية في فكرها وهذا ما نجده فعلاً في كتاب الأرسوزي وفي فكر القائد المؤسس حافظ الأسد وفي طليعة واهتمام السيد الرئيس بشار الأسد الذي أعطى اللغة اهتماماً كبيراً قولاً وفعلاً.. فكانت القرارات التي تصون اللغة وتحفظها وتعمل على تجديدها..
هل نذكر لتأسيس اللجنة العليا للتمكين للغة العربية وما طرحته سورية في قمة دمشق عام ٢٠٠٨م كأول مشروع عربي على مستوى القمة من أجل صون اللغة وحمايتها..
وفي كلمة السيد الرئيس بشار الأسد أمام رجال الدين في جامع العثمان.. توقف مطولاً عند أهمية اللغة والعمل على حمايتها وتجديدها..
وبالعودة إلى كتاب الأرسوزي الذي شكل نقطة انعطاف في الدراسات التي تناولت أهمية اللغة العربية وجمع على صغر حجمه بين التنظير لأهمية اللغة ودورها في الحضارة وبين اللسانيات التي تشكل دراستها محطة كبيرة في معرفة أسرار اللغة الأولى ونشأتها..
يقول الأرسوزي (ص٤٣): إن لغتنا التي هي أبلغ مظهر لتجلي عبقرية أمتنا والتي هي مستودع لتراثنا فما لنا ألا نعود ونحياها عن وحي حتى نبلغ ما بلغه أجدادنا من سؤدد وعزة .. إن مثل كل كلمات لغتنا كمثل البذرة من النبات يصدر فيها المعنى ضمور الحياة في البذر..
بعد ذلك يبحث الأرسوزي في نشأة اللغة العربية ومفرداتها ودور الاشتقاق في ذلك ومن ثم البحث في المعنى المجرد والاصطلاحي ويجري مقارنة بين اللسان العربي والغربي .. ليخلص إلى القول … إن اللسان العربي هو فلسفة وثقافة وحضارة وهوية وانتماء وإن أفضل اختراع كان عبر التاريخ هو الأبجدية التي اخترعها العرب وقدموها للعالم.