الملحق الثقافي:عبد الحكيم مرزوق:
صدر حديثاً عن «دار المقتبس» بدمشق، كتابٌ جديد بعنوان :»البيت الدمشقيّ – مظلة الفيء والرطوبة»، للباحث «غسان كلاس» الذي تحدّث في هذا الكتاب، عن بيت الشّاعر «نزار قباني» في مئذنةِ الشحم، رابطاً بين البيتِ الدمشقيّ ونزار والشعر، والكلمات الإبداعيّة المتعلّقة بدمشق القديمة، والتي توحي بالنسيجِ الاجتماعيّ الذي كانت تعيشه أثناء طفولة ويفاعة هذا الشّاعر، مسلِّطاً الضوء على مَعلمٍ من المعالمِ الرئيسة في الحياة السوريّة، والحياة الدمشقيّة، من خلال البيت الدمشقيّ، لأن دمشق تختلف عن كثيرٍ من البلدان، فالزائر سواء كان عربياً أو أجنبياً، يرى وأنى يمّم وجهه شطر دمشق، البيت الدمشقيّ الذي يتخيّله ذهنه، ويرغب بالتعرّف عليه عن قرب، إضافة إلى الكنائس والمساجد والمعالم الأثريّة والحضارية، والمتاحف والمدن التاريخية في سورية .
لقد ركّز «كلاس» على كلّ ما يخصُّ البيت الدمشقيّ، قائلاً: «ليست كلّ البيوت الدمشقيّة هي بيوتٌ كالقصور، فيها الديباج والحرير والسقوف الخشبيّة المزخرفة والعالية، وإنما هناك بيوت تحمل الطابع الجماليّ والروحانيّ، ولو لم تكن تحمل سمة القصر».. يعني هنا، ليس كلّ بيتٍ من بيوتِ دمشق القديمة، يمكن أن يوصف بأنه قصر، وبالوقت ذاته، هو يحمل مواصفات البيت لما فيه من الحميميّة والروحانيّة، والعلاقات الاجتماعية التي استفاض المؤلف بالحديث عنها، من خلال إيرادهِ الكثير من الحكايات، مستلهماً سيرة «نزار قباني»، عندما حلّل شِعره المتعلّق بدمشق، وأزقّتها وبيوتها القديمة، ليكون صورة مرئية وواضحة، متموسقة مع هذا الجمال الذي يصدر عن تلك البحرة في أرض الديار، وتلك النافورة، أو ذلك الجدول الذي يمخر عباب أرض الديار أحياناً في بعض البيوت، أو تلك الألوان والحجار، والغرف والنوافذ المرصّعة حوافها، بأنواع الورود التي تعتني بها ربّة البيت .
تطرّق «كلاس» إلى هذا، معيداً إلى الأذهان الكثير من الحكايات المرتبطة بالتراث الشعبيّ الدمشقيّ، وبالمملكة النباتيّة والمملكة الحيوانيّة، ولاسيما الحيوانات الأليفة التي كانت تربّى في المنازل، ليتطرَّق بعدها إلى العلاقات الاجتماعية السائدة، سواءَ في البيتِ نفسه، أو في مجموعِ بيوت الحيّ المحليّ، أو الزقاق، وما إلى ذلك .
المحور الرئيسي في الكتاب، والذي أتى بعد المقدّمة التي وضعها المؤلف، هو هندسة البيت الدمشقيّ، وبالتالي فلسفة العيشِ في هذا البيت، الذي هو بيت «قباني» في مئذنة الشحم، من حيث تكوينه العمرانيّ والمعماريّ والجماليّ، وطريقة الوصول إليه عبر الأزقّة والحارات التي وصفها، بما يضع القارئ في صورةِ أشياءٍ، قد زالت أو أزيلت معالمها.
ببساطة، نختزل هذه القراءة، بقولِ الباحث «كلاس» في تقديمه للكتاب: «يُعتبر البيت الدمشقيّ، من المعالم البارزة المميِزة لدمشق القديمة، وعندما تُعدِّد معالم المدينة وآثارها وأوابدها، من معابدٍ وجوامعٍ وكنائسٍ وبيمارستانات وسواها، تجد البيت الدمشقيّ.. ليست القصور فحسب، أحد هذه المكوّنات الرئيسة لنسيجِ المدينة عمرانياً ومعماريّاً، ولعلّ دمشق القديمة، وما يماثلها من مدنٍ أخرى، كالأندلس وبعض دول المغرب العربي، هي من المدنِ التي تشكّل البيوت فيها، عنصراً جاذباً للزائرين والمهتمّين بالبيوتِ القديمة، والجميلة في حميميتها ومكانتها وحكايتها.
التاريخ: الثلاثاء4-5-2021
رقم العدد :1044
b