الملحق الثقافي:حوار: إلهام سلطان :
عندما تحاورُ فنانة بارعة في جعل ريشتها تروي أجمل الحكايا، وبألوانٍ يقِظة في سعيها لالتقاطِ تقاسيم الفجر، عليك أن تعرف حكايتها أولاً. حكاية الفنانة التشكيليّة “لينا ديب”، التي أوّل ما بدأت بالقولِ خلال حوارنا معها:
– الفنُّ ينير مصادر الفرح، في الوقت الذي نجد فيه أن مشاكل الحياة والبيئة تهيمنان على المجتمع، وهذا ما جعل الفن يهيمن على كياني.
تجلّت تجربتي الفنيّة، في سعيي لنقلِ الحقيقة المجرّدة، ونقل أحاسيسي معها، وذلك لأبسّط تجربتي التي أسعى من خلالها، إلى معالجة القيم الفنيّة المعاصرة، والإخلاص في التعبير، فأجمع فيها ذكريات الطفولة، مع مرحلة الدراسة والشباب، ومرحلة الرزانة والعقل والخبرة.
– إنها البداية التي تطلّبت سؤالها، عن كيفية مزج أحاسيسها وقيمها، بألوانٍ تتماهى في اللوحة، ليكون جوابها:
— الرسم حالةٌ روحيّة لا تجفُّ ولا تنبض، وهي تشبه المغناطيس الذي يشدّني باتِّجاهه، لأسكب مشاعري وأفكاري وأحاسيسي على المسطّح الجغرافي الأبيض.
هو حالةٌ تعمل على إعادة إنعاشِ كلِّ الطّاقات الذابلة، والمتراخية في أعماقي، بل على إثارة كلِّ المشاعر والأحاسيس، المكنونة في داخلي، بانتظار صياغتها في قالبٍ فنيٍّ تشكيليّ، على مساحة اللوحة.
– إذاً، هي تنجذب إلى اللوحة التي تبدعها، وبكلّ حالاتها. لكن، كيف تجعل ريشتها ترسم ذاتها، بل عالمها، وأي الألوان تستخدم يا تُرى؟.
— عندما تبدأ فرشاتي بخطِّ تأثيراتها على اللوحة، تجعل الخطَّ يمتزج باللون، وتبدأ الأشكال بالظهور، لتداعب عواطفنا الجمالية. في بعض الأحيان، قد أنفّذ اسكتش للوحةٍ، كمخطّط أوليّ للعمل، وأحياناً أخرى أسعى إلى العمل بعفويةٍ توجّهها عواطفي الداخلية، مبتعدة عن العقلانية أو البناء الرياضي والتكوينات الهندسية، وفي كلتا الحالتين، أشعر بأنني أُخلق من جديد.
في بداية عملي في اللوحة، وعندما أنتهي منها، أشعر بالنشوة ونهاية مرحلة، وبين بداية اللوحة ونهايتها، هنالك قصة حياة كاملة، أعيشها أثناء مراحل تنفيذ اللوحة، فهي تنقلني إلى عالمي الخاص الذي لا يشبه أيّ عالم.
– حتماً، هو عالمها الساحر، ولابدَّ من أن يكون هناك من أثّر بها أو ألهمها الانتقال إليه.. عن هذا المؤثِّر والمُلهم، ودوره في هذا الانتقال، تقول:
— كلُّ الأطفال الاعتياديين، لديهم الحافز الداخليّ التلقائيّ للخلقِ الإبداعيّ، وإذا لم تُنمَّ موهبة الطفل، اضمحل ذلك الحافز الخلاق عنده، بالنسبة لي، كان لي الحظ الوفير في توجيهي من قبل والدي، المحامي “حبيب ديب” رحمه الله.. للاهتمام بالموسيقا والرسم، فقد تلقّى علومه الأولى في مدرسة اللاييك الفرنسية آنذاك، ما جعله يشجعني على ممارسة هوايتي، ثم على دراسة الفن أكاديمياً، وكان أن جعلني أتدرّب على يديّ الفنان الراحل “أحمد دراق السباعي”، الذي كان له تأثير مهم في توجيهي، كما تعلَّمت من والدتي المربيّة الفاضلة “أميرة ديب” رحمها الله، الإصرار على النجاح وتحويل الضعف إلى قوة، عن طريق المثابرة في العمل.
– هكذا انطلقتْ، إلى أن بات لها مكانتها وخصوصيّتها في عالمِ الفنِّ التشكيلي، ليكون من الطبيعي أن تشارك في العديد من المعارض، التي ذكرت بأنها:
— لديّ معارض متعددة داخل سورية، وفي كافة المدن والمحافظات، وقد تناولت فيها موضوعات مختلفة، موضوعات عن الطبيعة، وأخرى استقيتها من الحضارات والبيوت الدمشقيّة القديمة، وموضوعات اجتماعية تناولت فيها معاناة المرأة وأمهات الشهداء، وأقيمت هذه المعارض في غاليريهات عامة وخاصة، وفي المراكز الثقافية العربية والأجنبية.
أما خارج سورية، فقد شاركت في معارضِ العديد من البلدان “لبنان والأردن وتركيا وفينزويلا”، وكانت آخر مشاركاتي في “معرض بينالي – فينيسيا الدوليّ” لعام 2017، وبمشاركة 57 دولة عالمية، ولي أعمال مقتناة في فرنسا وألمانيا وأميركا.
– وماذا عن معرض ملتقى أوغاريت؟..
— هو تجمُّع لفناناتٍ سوريَّاتٍ، من كافة الاختصاصات الفنيّة التشكيليّة (حفر ورسم ونحت)، وهدفه تنشيط دور المرأة السوريّة بعد انتهاء الأزمة، وإبراز قيمة عطاء وإنتاج المرأة الفنانة، ففي بقية الملتقيات الفنيّة، يكون حضور المرأة الفنانة خجولاً، ومعظم المشاركين من الفنانين الذكور، وهنا أحببنا التفرّد في إنتاجنا الفنيّ، وتسليط الضوء على الأعمال الفنيّة المُنجزة في الملتقى، أضف إلى التعاون مع المجتمع المدني، من خلال التشاركية مع الجمعيات الأهلية، مثال (جمعية الأطفال ذوي الإعاقة، وجمعية سرطان الأطفال، وجمعية الأطفال المتسرِّبين من الدراسة، وجمعية أطفال الشهداء، وجمعية sos للأطفال المشرَّدين)، كما تشاركنا مع (جمعية المتقاعدات وجمعية سرطان الثدي)، وكان أعضاء تلك الجمعيات يقومون بإنتاج أعمال فنيّة بإشراف الفنانات، وفي الختام كانت تُعرض الأعمال المنجزة، من قبل الجمعيات، إلى جانب أعمال الفنانات، كتشجيعٍ ودعمٍ نفسيٍّ لهم، وآخر إنجاز لتجمّع ملتقى أوغاريت، معرضنا الذي أقمناه في صالة عشتار في دمشق، ولقد كان الحضور نوعيّاً وكميّاً، وكان للمعرضِ أصداء جميلة.
– كلّ هذه المعارض، ومازال هناك المزيد من الطموحات. تلك التي قالت عنها:
— تطلعاتي أن أصل بفني إلى عمق التأثير في المجتمع، وأن يكون الفن هو أداة للتعبير عند عامة الناس – بمختلف ثقافاتهم. أن أعبّر عن أحاسيسهم ومشاعرهم، وأن تصبح ممارسة الفن ضرورة لكلِّ فردٍ في المجتمع، فالفنان بتواصله واحتكاكه مع الناس، يرفع الذائقة الفنيّة.
– يبدو أن المرأة، كانت العنصر الأهم في اهتماماتها، ذلك أنها أعدّت أطروحتها عنها، وكان ماتناولتهُ فيها:
— في بحثي تناولت عنصر المرأة، كنموذجٍ مثاليّ وجماليّ في الفن، فمنذ القديم طُرحت المرأة كعنصرٍ تعبيريّ وجماليّ في الفنّ، وكانت رمزاً لكثير من الأساطير والآلهة، حتى إنها اعُتبرت ربّة الجمال (فينوس) منذ عصور ما قبل التاريخ في الحضارات القديمة، كما أنها مُثّلت في رسم (الأيقونات) الدينية، وفي اللوحات الجدارية، فكانت المرأة العذراء رمزاً للجمال المثاليّ والروحانيّ، ولقد مثَّلها الرسامون والنحاتون في أعمالهم الفنيّة، فكانت عنصراً مهماً في بناء العمل التشكيليّ.
عندما تقدمت التطورات العلميّة والتكنولوجيّة، ظهر تأثير المرأة في أعمال الفنانين، على وسائل الدّعاية في المجتمع الاستهلاكي، ومن هنا نرى أهمية المرأة فنياً، في كافة مجالات الحياة.
– نختم بأجوبتها، على أسئلةٍ تتعلّق بواقع الحياة التشكيلية، وإن كانت قد أدّت دورها، وعمّا إذا كان لديها تصوّرات للارتقاءِ أكثر بالحركة الفنيّة:
— الأزمة السورية فرملت الحركة التشكيليّة القويّة التي انطلقت، ومع ذلك، بقيت الحياة التشكيليّة في حركةٍ دائمة، إنما هنالك ركود في التسويق بحكمِ ظروف البلد القاسية، إضافة إلى ضعفِ الثقافة البصرية لدى المجتمع ولدى المقتنيين، وأعتقد أن إقامة معارض للفنِّ التشكيليِّ في هذا الوقت، هو نوع من أنواع المقاومة الروحية والثقافية لما يجري حالياً في سورية.
هناك عدة أفكار للارتقاء بالحركة الفنيّة، أوّلها: دعم اتحاد الفنانين التشكيليّين، ليكون قادراً على الدفاع عن حقوق الفنانين وإنتاجهم الفنيّ أكثر، وتوجيه المؤسّسات الثقافيّة والسياحيّة لدعم الاتحاد بصورةٍ أكبر، كالمساعدة في تسويق أعمال الفنانين، وتأمين فرص عمل لهم، بحيث تكون جميع أعمال الديكور والتصميم الداخلي والإعلان (البوستر)، من اختصاص اتحاد الفنانين التشكيليّين، كي يقوم بدوره في توزيع الأعمال الفنية على الفنانين في جميع المحافظات السورية.
من جهة أخرى، كي يتمكّن من نشر الوعي الثقافيّ – البصريّ، عبر إقامة ورشات عملٍ للشباب والمجتمع مع الفنانين، فيكون الفنان قادراً على التعبير عن المجتمع وقضاياه ونشر الوعي الجمالي، لأن المتمكّنين مادياً، لا يمتلكون غالباً وعياً جماليّاً يساعدهم على تحفيزِ الوسط الفنيّ، وتطويره بشكلٍ إيجابيّ..
التاريخ: الثلاثاء4-5-2021
رقم العدد :1044