افتتاحية الثورة – بقلم رئيس التحرير – علي نصر الله:
كما كانت مُدهشة مُشاركة السوريين الكثيفة بالانتخابات الرئاسية في السفارات والقنصليات السورية في الخارج – 20 أيار الجاري – كان السوريون بإقبالهم الذي لا سابقة له ولا مَثيل، وبتصويتهم للوطن، للاستقرار، للازدهار وللانتصار، أكثر إدهاشاً على امتداد سورية في اليوم الوطني الطويل 26 أيار، الذي ارتسمت فيه لوحات شعبية وطنية تَليق بسورية، شعبها وجيشها وقيادتها، سورية الصامدة المُنتصرة لقرارها ولسيادتها ولاستقلالها ولقضايا أمتها.
المَعاني التي انطوت عليها الصورة واعتملتها في اليومين الانتخابيين 20 و26 أيار 2021، قد لا يكون من السهل الوقوف عليها، وعلى دلالاتها ورسائلها، بل من الإنصاف ربما أن يتم تناولها بطريقة مُختلفة، لا شك ستتصدى لها مراكز البحث بالدراسة المُعمقة، الصديقة منها لإبراز الحقيقة وتَعظيمها، والمُعادية ربما للتعرف على أسباب فشل مُشغليها ومُموليها في تحقيق أهداف حملات الاستهداف والعدوان، ولا سيما تلك المُتلاحقة منذ آذار 2011، القائمة على الغطرسة والكذب والنفاق والتضليل.
نُخفف على هؤلاء أم نُضاعف عليهم العبء ومَقادير الشعور بالألم المُرافق لمراحل إنجاز أبحاثهم، إذا قلنا لهم: لا تُتعبوا أنفسكم، لن تَصلوا إلى نتيجة تُرضيكم، أو تَنسجم مع مزاجكم، ولن تَجدوا وسيلة لتحقيق غاياتكم مع شعب يُثبت مرة بعد مرة تَجذّره في وطنه، يَنتصر له أبداً، يُعمق ارتباطه به، ويَشد وثاق علاقة معه راسخة في الوجدان رسوخ الجبال، مُقيمة في القلب والضمير، تَجري في الوريد والشريان، تَنبض محبة وشَغفاً بسورية الحضارة والأبجدية الأولى.
لا نَقول شعراً، وليسَ تُهمة أن نَقول، فالشعر والنثر وأجناس الأدب، ربما لا تُقدم الرواية السورية الكاملة، وسيَعجز الشُّعراء والكتاب والمُحللون عن إحاطتها وليس فقط عن كتابتها وتقديمها ومُحاولة تَأريخها في سيرورتها ومحطاتها وغناها، فسورية عمود السماء، الحق معها، تُتقن حمايته والدفاع عنه، وإنّ فصول روايتها الكاملة مع التراب المُقدس يَكتبها السوريون فقط، واليوم يَكتبون فصلاً جديداً يُشبههم، ويَتطابق مع جيناتهم الحضارية الوطنية الأصيلة النبيلة.
المَشهد الوطني الذي رسمَه السوريون لم يَكن انتخابياً فقط، فحروفه كانت نوطة موسيقية فريدة تُترجم لُغته التي لا يُجيدها إلا هذا الشعب المُتجذر بأرضه، المُلتصق بوطنه، الذي تَجمعه بدولته وقيادتها ما هو أعمق من ورقة يَضعها في صندوق، وأهم من كلمة يَشق بها عنان السماء، ويَتردد صداها في الآفاق، هو اللوحة والصورة والمَشهدية والحالة التي يَصعب على أعداء سورية فهمها ويَستحيل عليهم تَفكيكها.
المَشهد الوطني الذي قَدمه السوريون قطاف ورواية، قُدرة واقتدار، إعجازٌ في الرد البليغ الذي يَنسف روايات وروايات لا مَحل لها ولا مَطرح، ويُحل مَحلها رواية سورية، الأُس فيها وَجدان جَمعي أصيل لم يَتلوث، لن يَتبدل أو يَتغير، وإذا تَهيأ للبعض خلاف ذلك فهو الوهم ليس سواه، الأيامُ بيننا، وهي حُبلى بما يُخالف تَقديرات الكثيرين ممن غَرقوا في مُستنقعات الإثم والوهم، وإنّ غداً آخر نَكتب مُفرداته ونُعد له، هو للناظر قريب، إنّا نَراه قريباً .. قريباً.