يعد الفقر من أبرز العوامل المنتجة للاضطرابات الاجتماعية والسياسية في دول العالم ولعله البؤرة المنتجة والمفرخة لأخطر أنواع وأشكال الفساد ويعد الفقر في وقتنا الحاضر من أبرز التحديات التي تواجه شعوب العالم وحكوماته بحيث تفرد له الاستراتيجيات لجهة مكافحته والقضاء عليه أو على الأقل الحد من تأثيراته ولاسيما أنه لا يقتصر على الدول الفقيرة بل يطال كافة دول العالم والأكثرها غنى، فوفق إحصائيات صادرة عن مراكز الدراسات الأميركية بلغ عدد الفقراء في أميركا 37 مليوناً أي ما نسبته 13 بالمئة من مجمل عدد السكان مع الأخذ بالاعتبار ما هو تعريف الفقير وفق المعايير الأميركية التي لا تنطبق على المعايير في دول أخرى فالفقير هنا هو الذي لا يزيد دخله اليومي عن دولارين ووفق ذلك المعيار فإن عدد الفقراء في العالم يزيد على ملياري إنسان ما يشكل أكثر من ربع سكان العالم ولو سلطنا الضوء على عالمنا العربي فسنرى صورة أكثر سوداوية على الرغم من أن البلدان العربية هي من أغنى دول العالم في الثروات الطبيعية من بترول وغاز وأراض صالحة للزراعة ومع ذلك تشير الدراسات الصادرة عن المؤسسات الدولية المتخصصة أن عدد الفقراء في الوطن العربي يتجاوز مئة مليون فقير أي ما نسبته 30 بالمئة من السكان ولا يقتصر الأمر على الفقر وإنما ملحقاته من مرض وجهل وأمية وسوء تغذية وما يستجره ذلك من آفات اجتماعية.
إن الفقر داء عضال وأصل كل بلاء اجتماعي ومفرخ لكل أنواع التطرف ولا شك أن معالجته الحقيقية تحتاج إلى حزمة إجراءات وسياسيات فعالة ورشيدة يقف على رأسها تحديد أسبابه وجغرافيته وتوزعه أي رسم خريطة دقيقة له بحيث يتم حصر عدد الفقراء في كل منطقة ومدينة وقرية وتجمع سكاني ثم تأتي الخطوة التالية بتأمين مصادر مناسبة للعيش سواء كانت زراعية أم صناعية أم خدمية، ترتكز على حزمة من العناصر منها الاقتصاد المنزلي وتشجيعه وتنميته بتفعيل برنامج المشاريع الصغيرة ومتناهية الصغر، إضافة لتطبيق سياسة التنمية المتوازنة بين الأقاليم وبين الريف والمدينة بحيث تصيب السياسات الاقتصادية الفعالة التي تضعها الحكومة وموازناتها السنوية كافة المناطق ووفق احتياجاتها وأولوياتها الوطنية ما يعني الانحسار التدريجي لنسب الفقر وتقلص الفوارق بين الأقاليم وفي الإقليم ذاته بين المركز والأطراف ويبقى العنصر الأهم في ذلك تهيئة الكادر البشري والمؤسسي المؤهل لذلك والقادر على مواجهة التحديات واستنباط الحلول الناجعة والابتكارية والتعامل بمرونة مع خصوصية كل منطقة وفق ثقافة العمل فيها وفرص نجاحها وفقا للجغرافية الاقتصادية ومستلزماتها وشروط تحققها بشكلها الأنسب والأفضل.
إن التفكير الإيجابي المتفائل والقائم على الشراكة في العمل وتحمل المسؤولية بين الدولة والمجتمع والتناغم بين رأس مال الدولة والرأسمال الوطني والاجتماعي بعنصريه المادي والبشري قادر على تحقيق نجاحات حقيقية تصب في خدمة الجميع وإذا كان موضوع مكافحة الفساد يشكل أحد السياقات للوصول إلى بيئة اقتصادية واجتماعية ويوفر موارد إضافية للحكومة إلا أنه لا يشكل من وجهة نظرنا المدخل الأساسي والوحيد لتحسين الوضع المشار إليه ولكنه أحد السياقات والأسباب التي تساعد في الوصول إلى حالة ووضع أفضل بالتأكيد ولكنه لا يختصر المسألة كلها.
إن التغيير والإصلاح الذي ينشده المواطن السوري لا يقف عند حدود تغيير الأشخاص وإنما تغيير وإصلاح سبل عيشه ونوع الخدمات المقدمة له سواء كانت صحية أم تربوية أم اقتصادية وهنا تصبح المسألة مرتبطة بكفاءة المؤسسة وقدرتها على تحقيق أهدافها المنوطة بها بما يصب في الصالح العام والمجمل الوطني الكلي عبر تفعيلها للكتلة الحيوية السورية التي حاول أعداء سورية تعطيلها أو شل حركتها وإخراجها من دائرة الفعل ولكنهم فشلوا في ذلك فشلاً واضحاً وصريحاً، من هنا تأتي أهمية دور الحكومة في زج هذه الكتلة الحيوية في كل مفاصل العمل لتكون رافعة النهوض الوطني بعناصره المختلفة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وصولاً لتحقيق الأهداف التي ضحى السوريون كل السوريين من أجلها.
إضاءات- د: خلف المفتاح