الحرب الهجينة

يمكن تسمية ما يجري في أوكرانيا من نزاع بالحرب الهجينة لجهة تنوع العناصر والأدوات والقوى الفاعلة والمشاركة فيها سواء العسكرية أو الاقتصادية أو الإعلامية إضافة للتوظيف الدولي لها، ولعل أخطر ما فيها درجة التغافل الغربي لجذورها وأسبابها وهو ما أعلنه وأبداه الطرف الروسي من مطالب تتركز بشكل أساسي في حصول ضمانات مكتوبة تفيد بعدم توسع حلف الناتو شرقاً وما يمثله من تهديد لأمن روسيا القومي وضمانات أمنية متكافئة ومع تجاهل تلك المطالب ركز الخطاب الغربي على مقولة رغبة روسيا في التوسع واحتلال أوكرانيا وإعادة بناء الحلم الإمبراطوري الروسي وما يمثله من تهديد لأمن أوروبا وتم تسويق تلك الرواية عبر آلة إعلامية فعالة وواسعة الانتشار عبر دعاية منظمة – بروباغندا – جيشت رأياً عاماً واسع الطيف كان أسير الرواية الغربية.

والى جانب ذلك استطاعت الولايات المتحدة الأميركية وهي التي تقبض على مفاصل الاقتصاد العالمي وحركة الأموال وأغلب المنظمات الدولية من تسخير كل هذه العناصر لخدمة أجندتها وتأييد روايتها ولم تقف عند ذلك بل اتجهت نحو مجلس الأمن بغرض انتزاع قرار لإدانة روسيا مع علمها بأن روسيا ستستخدم حق النقض الفيتو لإجهاض أي مشروع يدينها ولم تكتف بذلك واتجهت نحو الجمعية العمومية للأمم المتحدة تحت عنوان “متحدون من أجل السلام” مستثمرة نفوذها ونفوذ خلفائها بالضغط على العديد من دول العالم للحصول على قرار بإدانة روسيا بأغلبية 141 صوتاً مقابل 35 ممتنعاً ورافضاً خمس دول من بينها سورية ومع أن عدد الدول الموافقة كانت أكثرية مطلقة لكن رقم التصويت في الأمم المتحدة ليس معياراً حيث أن عدد سكان الدول التي امتنعت عن التصويت يزيد على 60 بالمئة من سكان العالم منها الصين الهند باكستان ايران وجنوب أفريقيا وهناك عشرات الدول ممن صوتت لصالح القرار هي جزر متناثرة في المحيطات ولكنها في الأمم المتحدة هي دول كغيرها في المجتمع الدولي أو الجماعة السياسية الدولية.

وإلى جانب ذلك اتبعت الولايات المتحدة وحلفائها عقوبات اقتصادية ومالية وتجارية غير مسبوقة بحق روسيا الاتحادية ولم تقف عند ذلك بل امتدت إجراءاتها إلى الفن والثقافة والرياضة فمنعت عبر نفوذها منشورات كتاب وفنانين روس كبار مثل ديستوفيسكي مؤلف الرواية العالمية الجريمة والعقاب والموسيقار الشهير تشايكوفسكي فرق الباليه الروسية والمنتخبات الرياضية ما يعني أننا أمام حرب مركبة وهجينة.

وبهدف التحشيد النفسي والمعنوي سعت الآلة الإعلامية الغربية إلى الاستحضار السلبي لذاكرة الجمعية الأوروبية للحرب العالمية الثانية وما أجرته من كوارث ومآسٍ لشعوب العالم ولاسيما أوروبا ومحاولة تشبيه ما قامت بها روسيا بما أقدم عليه الزعيم النازي أدولف هتلر بغزوه بولندا 1939وتداعياته وصولاً للحرب العالمية الثانية والهدف من وراء ذلك إيجاد مناخ وتوفير رأي عام أوربي وعالمي معاد لروسيا ومبرر لأية إجراءات تقوم بها بمواجهتها ولاسيما الدعم العسكري والعقوبات الاقتصادية وتشكيل صورة نمطية وسلبية عن روسيا وقيادتها وشيطنتها.

إن قراءة ما جرى ويجري في سياقه العام ووضعه في مشهد الصراع والتنافس بين الغرب والشرق وسعي أميركا والغرب لجم الصعود الروسي الصيني ومحاولة تطويقهما والتضييق عليهما والحد من تنامي قوتهما العسكرية والاقتصادية مع بداية تراجع النفوذ الغربي بضفتي الأطلسي وتشكل إرهاصات أولى لنظام دولي ثلاثي الأقطاب سيما بعد الحديث عن كتلة اوراسية تضم الصين وروسيا ودولاً أخرى تنتج قوى جديدة تؤذن ببداية نهاية الأحادية القطبية وببروز عالم متعدد الأقطاب يقوم على توازن المصالح والشراكة في قيادة العالم يستدعي إعادة النظر بتركيبة مجلس الأمن والمنظمات الدولية الأخرى الواقعة تحت هيمنة القوى الكبرى مع تفعيل حقيقي لميثاق الأمم المتحدة.

إن أخطر ما يمكن أن يحصل من نتائج في سياق ذلك الصراع هو عسكرة العلاقات الدولية واغتنام ألمانيا واليابان وغيرهما الفرصة لكسر منع التسلح وفرض التجنيد الإجباري وهي اشتراطات وقيود وضعت عليهما على خلفية خسارتهما للحرب العالمية الثانية إضافة وضع إسفين في العلاقة المتنامية بين ألمانيا وروسيا وإعادة توحيد الموقفين الأوروبي والأميركي تحت مظلة الناتو وتحوله من حلف عسكري إلى حلف اقتصادي وسياسي وعسكري فالواضح من سياقات الأزمة الأوكرانية أنه لم يعد يهم الأطلسي أوكرانيا وما يصيبها من أضرار بقدر ما يلحق روسيا من ضرر عبر إطالة أمد الأزمة لاستنزاف روسيا وإضعافها ولا شك أن روسيا الاتحادية تملك من أسباب القوة وعناصرها ما يمكنها من الاستجابة لمطالبها المتعلقة بأمنها القومي فهي تعمل على زيادة الضغط العسكري مقابل الضغط الاقتصادي الذي يمارسه الطرف الأوروبي الأميركي وهنا نكون أمام نتائج عسكرية مباشرة بمواجهة ضغوط اقتصادية مديدة وهذه استراتيجية القوى الغربية في حربها غير المسبوقة على الاتحاد الروسي وللحيلولة دون حرب مديدة تسعى القوات الروسية وحلفاؤها في دونباس للسيطرة على المن وتطويق الحدود والسيطرة عليها لمنع تدفق الإمدادات الخارجية التي يراد لها أن تكون وقوداً للحرب وتسعير لأوراقها بهدف إخضاع روسيا للاشتراطات الأطلسية وهو ما ترفضه روسيا قولاً واحداً.

 

إضاءات- د . خلف المفتاح

 

 

آخر الأخبار
السفير الضحاك: عجز مجلس الأمن يشجع “إسرائيل” على مواصلة اعتداءاتها الوحشية على دول المنطقة وشعوبها نيبينزيا: إحباط واشنطن وقف الحرب في غزة يجعلها مسؤولة عن مقتل الأبرياء 66 شهيداً وأكثر من مئة مصاب بمجزرة جديدة للاحتلال في جباليا استشهاد شاب برصاص الاحتلال في نابلس معبر جديدة يابوس لا يزال متوقفاً.. و وزارة الاقتصاد تفوض الجمارك بتعديل جمرك التخليص السبت القادم… ورشة عمل حول واقع سوق التمويل للمشروعات متناهية الصغر والصغيرة وآفاق تطويرها مدير "التجارة الداخلية" بالقنيطرة: تعزيز التشاركية مع جميع الفعاليات ٢٧ بحثاً علمياً بانتظار الدعم في صندوق دعم البحث العلمي الجلالي يطلب من وزارة التجارة الداخلية تقديم رؤيتها حول تطوير عمل السورية للتجارة نيكاراغوا تدين العدوان الإسرائيلي على مدينة تدمر السورية جامعة دمشق في النسخة الأولى لتصنيف العلوم المتعدد صباغ يلتقي قاليباف في طهران انخفاض المستوى المعيشي لغالبية الأسر أدى إلى مزيد من الاستقالات التحكيم في فض النزاعات الجمركية وشروط خاصة للنظر في القضايا المعروضة جمعية مكاتب السياحة: القرارات المفاجئة تعوق عمل المؤسسات السياحية الأمم المتحدة تجدد رفضها فرض”إسرائيل” قوانينها وإدارتها على الجولان السوري المحتل انطلقت اليوم في ريف دمشق.. 5 لجان تدرس مراسيم و قوانين التجارة الداخلية وتقدم نتائجها خلال شهر مجلس الشعب يقر ثلاثة مشروعات قوانين تتعلق بالتربية والتعليم والقضاء المقاومة اللبنانية تستهدف تجمعات لقوات العدو في عدة مواقع ومستوطنات “اللغة العربيّة وأثرها في تعزيز الهويّة الوطنيّة الجامعة”.. ندوة في كلية التربية الرابعة بالقنيطرة