يعاني السوريون عموماً من ضائقة معيشية وتدنٍ في المداخيل وتراجع في مستويات يوميات حياتهم والسبب الأساسي في ذلك هو الصراع الذي شهدته سورية والحرب التي شنت عليها طوال عشر سنوات ونيف ولم تنته بعد أو تضع أوزارها فهي مستمرة بأشكل مختلفة ولاسيما لجهة بعدها الاقتصادي، حيث تفرض على سورية والسوريين عقوبات اقتصادية ظالمة وغير مسبوقة بهدف لي إرادتها السياسية والاستجابة لاشتراطات بعض القوى التي ساهمت في الحرب عليها وغذت أوارها، فإلى جانب ما دفعه السوريون من أثمان بشرية باهضه وكلفة عالية في أتون ذلك الصراع لم تقف الأمور عند ذلك إذ تعرضت المؤسسات الاقتصادية والخدمية والبنى التحتية والعمران السوري على وجه العموم لعملية تدمير ممنهج ترافق مع نهب للثروات ومكامن القوة الاقتصادية ولاسيما النفط والغاز والمياه وغيرها من مصادر ثروة الشعب السوري ومصادر تمويل الموازنة العامة للدولة. وعلى الرغم من السعي الحثيث لتحويل سورية إلى دولة فاشلة غير قادرة على القيام بوظائفها الحمائية والخدمية إلا أن سورية الدولة تمكنت من الاستمرار بواجباتها الوظيفية تجاه مواطنيها بفضل صمود أبنائها وتضحياتهم وغيرتهم الوطنية وقيادتها الملتزمة الدفاع عن سيادتها وقرارها الوطني المستقل والمتمسكة بثوابتها القومية وحرصها على استعادة ما احتل من أرضها والتزامها التاريخي بالقضية الفلسطينية بوصفها قضية قومية في الخطاب السوري، الأمر الذي دفع قوى العدوان عليها لرفع وتيرة الضغط بأشكاله المختلفة ولاسيما في بعده الاقتصادي، فإلى جانب ما سمي قانون قيصر سيطرت قوات ما يسمى “قسد” التي هي مجموعة انفصالية وبدعم وحمايىة أميركية على أهم مصادر الثروة الاقتصادية في الجغرافية السورية حيث منابع النفط وزراعة الحبوب وغيرها والثروة الحيوانية والسدود الكبرى الفرات وتشرين والبعث وما توفره من طاقة كهربائية وري لمشاريع الاستصلاح الكبرى وغيرها من مصادر كانت توفر للخزينة السورية اكثر من 70 بالمئة من مواردها العامة.
أمام تلك الحقائق القاسية والضاغطة على الاقتصاد السوري كان لابد من ارتكاسات على المجمل العام وبالتالي تراجع موارد الدولة ومغذيات الخزينة العامة واستطرادا على كل مصادر الإنتاج والثروة العامة والخاصة والقطاعية وما يستتبع ذلك من نزيف في العملة الصعبة بسبب الفارق الكبير بين الصادرات والواردات والعجز الحاصل في الميزان التجاري وما يستجره ذلك من ارتفاع نسبة التضخم وهبوط قيمة العملة الوطنية قياساً بالعملات الصعبة ولاسيما الدولار الأميركي بوصفه أحد أشكال قوى الهيمنة والضغط على دول العالم، فمن الطبيعي هنا أن تتأثر اقتصادات الدولة ومداخيلها وكذلك هو حال الأفراد والمؤسسات العامة والخاصة وانعكاس ذلك سلبياً على قدرة الدولة على القيام بدورها في دعم بعض المواد الاستهلاكية الضرورية الأكثر حاجة لقطاعات واسعة من الشعب ولاسيما الخبز والمحروقات وغيرها من مواد أساسية في سلة استهلاك السوريين.
والحال وأمام تلك الوقائع يبرز السؤال ما المخارج وهل من آليات وآمال لتحسن الأوضاع الاقتصادية والمعاشية للمواطنين أم إننا أمام أوضاع أسوأ وعلينا شد الأحزمة أكثر ؟ أعتقد أن الجواب القطعي أو خريطة الطريق الواضحة للخروج من تلك الحالة والوضع القاسي والصعب يتمثل استراتيجياً وليس إسعافياً باستعادة كامل الجغرافية الوطنية المحتلة أو المسيطر عليها ولاسيما منطقة الجزيرة وشمال غرب سورية في محافظتي حلب وإدلب حيث تتركز الثروات الأساسية المغذية للاقتصاد السوري وموارد الموازنة العامة سواء البترول أم الإقماح والقطن والثروة الحيوانية ومحطات توليد الكهرباء في السدود الثلاثة ومشاريع الاستصلاح الكبرى التي تزيد مساحتها على 200 ألف هكتار ناهيك عن الأملاك الخاصة وهي بمئات آلاف الهكتارات معظمها تزرع بالزيتون والفواكه والحمضيات، حيث يقدر عدد أشجار الزيتون في المناطق خارج سيطرة الدولة على 40 مليون شجرة إضافة لأكثر من 12مليون رأس من الأغنام والماعز والأبقار والى جانب الثروة الاقتصادية ثمة ثروة بشرية فاعلة ومؤهلة وخبيرة ووطنية لا تقل أهمية عن تلك التي تمت الإشارة اليها تشكل رافداً أساسياً لعناصر بناء الدولة بحكم كفاءتها ومهنيتها وقدرتها على قيادة وإدارة المرفق العام وسد الثغرات الحاصلة في بعض مرافق الدولة الصحية والتربوية والعلمية بعد النزيف الذي حصل بسبب الحرب المركبة والظالمة التي تتعرض لها الدولة والشعب السوري من قوى وازنة تكالبت عليه من كل حدب وصوب واستطاع إفشال أهدافها الأساسية وعناوينها الكبرى ما جعله يدفع فاتورة وثمناً غالياً ويتعرض لعدوان مستمر يستهدف وجوده وحياته وكينونته السياسية والوطنية لجهة فرط وتشظية عقده الاجتماعي الموغل في جذر الحضارة الإنسانية.
إن الحديث عن حل استراتيجي من وجهة نظرنا وهو ما تمت الإشارة إليه لا يلغي أو يعدم إمكانية حلول إسعافية تتعلق بتحسن نسبي في أوضاع الناس ويتمثل ذلك في حسن استثمار الموارد المتوافرة سواء أكانت في قطاع الزراعة أم الصناعة والإنتاجيات الصغيرة والمشاريع الصغيرة ومتناهية الصغر وتركيز الدعم على القطاعات الإنتاجية وليس الاستهلاكية ولاسيما في مجال الزراعة والصناعة، حيث شكل القطاع الخاص في سورية أكثر من 65 من الناتج المحلي الإجمالي، ما يجعله بحاجة لدعم أكثر ليستعيد عافيته، إضافة إلى فتح المجال للاستيراد بشكل أوسع بدل حصريته لعدد من أصحاب النفوذ ما يفسح المجال لتنافسية حقيقية يستفيد منها المستهلك السوري يضاف إلى ذلك منع عمليات التهريب والتجارة في السوق السوداء واقتصاد الظل وغيره من مخلفات الأزمة وما استأثر به تجار الحروب ومستثمرو البؤس والحاجة والفقر من عديمي الضمير والأخلاق، يضاف إلى ذلك رفع وتيرة محاسبة الفساد والإفساد وتكريس ثقافة النزاهة، وأن المواطن الجيد هو المواطن المنتج والفاعل الذي يقرن القول بالعمل والكلمة بالموقف، وليس المنظر المترحل ومكبر الصوت والطبل الأجوف.
اضاءات- د. خلف المفتاح