ليس أمراً عادياً أن تطلب الإدارة الأميركية وعدد من الحكومات الملحقة بها، إلى رعاياها مغادرة الأراضي الأوكرانية بالسرعة الممكنة، باعتبار أن الحرب قد تقع في أي لحظة من خلال هجوم تشنه روسيا، وهو أمر نفته موسكو دوماً، قد يفتح الباب لحرب كبرى ، وهو ما صرح به جيك سوليفان مستشار الأمن القومي الأميركي قبل ثلاثة أيام ، في صيغة أقرب إلى الجزم والتأكيد منها إلى التوقع والاحتمال .
وأوضح مستشار الأمن القومي الأميركي سوليفان في مؤتمر صحفي عقده في في البيت الأبيض أن هجوماً روسيّاً على أوكرانيا قد يحدث في أي يوم من الآن، وسيبدأ على الأرجح بهجوم جوي، وتحدث عن احتمالات كبيرة بأن يشمل الاجتياح الروسي مدناً كبرى في أوكرانيا، بما فيها العاصمة كييف.
وأضاف سوليفان أن أي- أميركيين -ما زالوا في أوكرانيا عليهم المغادرة في غضون 24 إلى 48 ساعة طالما هناك خيارات متاحة، لأن وقوع هجوم جوي روسي سيجعل المغادرة أمراً صعباً.
وأضاف أن قوات روسيا على حدود أوكرانيا وفي بيلاروسيا -الجارة الشمالية لأوكرانيا- تظهر أنها في موقع يسمح لها بشن هجوم، مشيراً إلى حشد موسكو أكثر من 100 ألف جندي من قواتها على الحدود مع أوكرانيا.
وبالتالي فإن هكذا تصريحات تضع العالم في نقطة انطلاق سباق الحرب الذي بدأت واشنطن بالتحضير والتحذير منه في وقت واحد ، متوعدة بفرض المزيد من العقوبات من جانبها وجانب شقيقاتها الأوروبيات في حال أقدمت موسكو على القيام بعمل عسكري ضد أوكرانيا ، وفي الحديث عن احتمالات الحرب تتجاهل واشنطن كل الحوارات والمفاوضات والوساطات الدولية والأوروبية الساعية إلى التهدئة ومناقشة المخاوف الروسية من مخاطر توسع حلف شمال الأطلسي شرقاً باتجاه الحدود الروسية أو ضم أوكرانيا للحلف خلافاً للاتفاق مع الغرب بعد تفكك الاتحاد السوفياتي ، فضلاً عن اتفاقية الأمن والتعاون الأوروبي التي لا تسمح لأي دولة في المعاهدة بالقيام بإجراءات خاصة تهدد الأمن القومي والاستقرار لعضو في المجموعة ذاتها ، وهذا ما أكدته اتفاقية استنبول عام ٢٠٠٩ ، وهو الأمر الذي تتمسك به موسكو في شروطها ومطالبها في كلّ مفاوضاتها مع الغرب ، وهو ما قوبل بتجاهل واضح رفضته موسكو بأقسى عبارات الدبلوماسية التي تعري الأسلوب الغربي في تجاهل الحقوق السياسية والأمنية للعالم كله. وإنما يتم استغلال الظروف والخلافات الحدودية في أي منطقة للاستفادة منها في التوسع والسيطرة
فقد عقد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي مؤتمراً صحفياً، في 29 كانون الثاني الماضي ليعلن على الملأ أن المشاكل التي تمرّ بها بلاده في الوقت الحالي “جاءت من الغرب وليس من الشرق”، متهماً وسائل الإعلام بإثارة الذعر والتضليل. وقال زيلينسكي في مؤتمره الصحفي :إن زعزعة الاستقرار داخل أوكرانيا هو التهديد الحقيقي وليس روسيا، وهذا يشير إلى التحديات التي تواجهها الحكومة المركزية في الحفاظ على أوكرانيا كجمهورية موحدة.
بدوره، شكَّك وزير الخارجية الأوكراني، دميترو كوليبا، في تقييم الولايات المتحدة لـ -التهديد -الذي تمثله روسيا. وبلهجة تصعيدية، حثَّ الناس على عدم تصديق التوقعات الأميركية التي تلجأ إلى تهويل وتعظيم المخاوف .
وهذا ما يضع العالم اليوم أمام نذر حرب لها تبعات على كلّ العالم ، فلا الصين في الشرق ودول المتوسط في قلب العالم ودول أميركا اللاتينية في أقصى الغرب واليابان في أقصى الشرق بمنأى عن تبعات تلك الحرب المحتملة ، ليبقى إمداد أوروبا الغربية بالغاز الروسي أحد أكبر المخاوف التي تتهدد أوروبا وهو الأمر الذي لا يعني الإدارة الأميركية بشيء أبداً، وأخيراً يبقى ما يدفع احتمالات هكذا حرب هو تمسك بمطالبها وتهديدها الواضح لواشنطن بعدم السماح بحرب محدودة وأنها ستضرب رأس الخطة وصاحب قرار الحرب معتمدة الكثير من عوامل القوة الذاتية والخارجية أقلها القدرة على احتمال أقسى ظروف الحرب مقابل عجز الولايات المتحدة الأميركية ذاتها على احتمال ذلك ، ويكفي امتلاك هكذا عامل لتحديد مصير مغامرات الطارئين على السياسة الدولية.
معاً على الطريق- مصطفى المقداد