استراتيجية 2026-2030.. الرئيس الشرع يضع ملامح الاستراتيجية المصرفية الجديدة

الثورة – عزة شتيوي :

مهدت التحولات السياسية التي شهدتها سوريا والانفتاح العالمي على دمشق بعد سنوات من العزلة، إلى تغييرات كبيرة في المشهد الاقتصادي السوري، الذي انفتح على الاستثمارات وتطوير البنية التقنية والقانونية أيضاً.

لتأتي زيارة السيد الرئيس، أحمد الشرع، إلى بنك سوريا المركزي مؤشراً على أن النهوض بالاقتصاد السوري هو من أولويات المرحلة بالنسبة للحكومة السورية الجديدة، خاصة أن الزيارة تضمنت اطلاع الرئيس الشرع شخصياً على مراحل العمل في برنامج التحول المؤسسي والتقني، والخطط الهادفة إلى تطوير البنية المصرفية وتعزيز الاستقرار المالي، وخطط تطوير أنظمة العمل الداخلية ومنظومات الرقابة، وأنظمة الدفع الوطنية، والتحضيرات الخاصة باستراتيجية المصرف للفترة 2026-2030، والإجراءات المتعلقة باستبدال العملة الوطنية التي ينتظرها السوريون.

وما يشهده البنك المركزي وهذا التحول في البنية المصرفية السورية يُعد انتقالاً من الأنظمة التقليدية إلى منظومات حديثة قادرة على مواكبة المعايير الدولية، خاصة أن التوسع السياسي في العلاقات الخارجية السورية يتطلب تبادلاً في المصالح والاستثمارات، وهذا يفرض تطويراً كبيراً، وقفزات قانونية وتقنية لتعزيز الثقة بالقطاع المصرفي السوري، وهو العامل الأهم في جذب المستثمر المحلي والأجنبي.

عجلة السياسة تدفع الاقتصاد

إن جملة المتغيرات المتسارعة في سوريا على الصعيد الاقتصادي والمالي، وعلى صعيد رفع العقوبات، والاندماج في النظام الاقتصادي والمالي والتجاري العالمي، واللقاءات النوعية التي عقدها الرئيس أحمد الشرع مع قيادات إقليمية وعالمية، بما فيهم الرئيس الأميركي دونالد ترامب، لا شك أنها تفرض إيقاعها على الكيفية التي ستُدار بها العملية الاقتصادية والمالية والنقدية في سوريا.

وفي طليعة المؤسسات التي ستلعب دوراً مهماً في هذا المجال، المصرف المركزي السوري، وهو ما أكده الباحث والمحلل الاقتصادي، حسام عايش، في لقائه مع صحيفة الثورة، إذ أكد على أن بنك سوريا المركزي سيكون بتنظيمه وإدارته وسياساته والقانون الذي يحكمه مبنياً على قواعد الحوكمة، وعلى قواعد الأداء المصرفي الحصيف، وعلى القواعد التنظيمية التي تسمح بأن يؤدي دوره باستقلالية وباحترافية تكرسها المعايير العالمية في هذا المجال.

وبالتالي، نحن نتحدث عن بنك مركزي سوري يكون قادراً على إدارة السياسة النقدية وعلى الإدارة والمساهمة بالسياسة المالية، ويضيف السيد عايش: إن السياسة النقدية، بما تسمحه من توازن بين معدلات التضخم وعرض السيولة والنمو الاقتصادي ومعدلات البطالة، لا شك أنها تعني أن البنك المركزي سينتقل في إدارته من منطق تقليدي قديم غير مستقل إلى أن يكون حاضراً في المشهد الاقتصادي السوري الجديد المنسجم مع أفضل المعايير العالمية في أنشطة وعمل البنوك المركزية.

لذلك، كما يقول المحلل الاقتصادي، فإن زيارة السيد الرئيس إلى البنك المركزي تؤكد الأهمية الكبيرة التي يعطيها الرئيس لهذا الدور الجديد للبنك المركزي، فسوريا، ومن خلال هذه النقلة الكبيرة التي سيحدثها (المركزي) في إدارة العملية النقدية ومتطلباتها، ستنتقل إلى مرحلة الأداء المتطور المنسجم مع توقعات الشركاء الإقليميين والدوليين.

وبالتالي، فإنه يُفترض أن يتضمن تطوير البنك أفضل ما يمكن من سياسات الحوكمة في هذا المجال، وبما ينسجم أيضاً مع متطلبات نشاط اقتصادي سوري ربما يبدأ تدريجياً، لكنه سيكون أكبر وأوسع مدى وأكثر شمولية.

ويشير حسام عايش، إلى أن التطورات المصرفية جزء من معركة إعادة الإعمار، ما يعني أن هناك مئات المليارات من الدولارات التي يُفترض أن تكون استثمارات في هذه المعركة الاقتصادية، ستحتاج إلى بنك مركزي تفاعلي تقني لديه أنظمة وسياسات مرنة ومنسجمة مع هذه النقلة التي ستأخذ سوريا إلى مكانة أرفع في الأداء الاقتصادي الإجمالي للدولة السورية.

ماذا يعني التحول إلى الأنظمة الحديثة؟

في علم المصارف، تُعتبر عملية الانتقال من الأنظمة المصرفية التقليدية إلى المنظومات الحديثة عملية معقدة تتطلب جهوداً مكثفة في عدة مجالات، أهمها: تطوير البنية التحتية التكنولوجية، وهذا يحتاج استثماراً كبيراً في التكنولوجيا لتمكين البنوك من تقديم خدمات مصرفية متطورة وآمنة، بالإضافة إلى تعزيز مهارات الموظفين وتدريب الكوادر البشرية على استخدام الأنظمة الحديثة، وفهم التغيرات في العمليات المصرفية، مع اعتماد المعايير الدولية من خلال تكييف القوانين لتتماشى مع المعايير المصرفية العالمية، ما يعزز الشفافية والقدرة على جذب الاستثمارات الخارجية.

وحول إمكانيات القطاع المصرفي السوري من تحقيق هذا التحول، يقول المحلل الاقتصادي حسام عايش: إن الانتقال إلى مرحلة التعافي المالي والاقتصادي السوري وربطه بالمجتمع المالي الدولي والنظام المالي الدولي ليس بالأمر السهل، وإنما يحتاج إلى قاعدة مصرفية قوية، وهذا بدوره يتطلب مستوى تدريبياً عالياً للعاملين في المصارف السورية على المهارات المصرفية والتقنية والمعرفية والذكية.

والأهم من هذا وذاك هو مسؤولية المصرف المركزي التي لا يجب أن تتوقف عند إدارة العملية النقدية، بل يجب أن تدير عمليات التطوير والتحديث في الأدوات المصرفية الرقمية والذكية الجديدة.

ويؤكد السيد عايش أن معنى سوريا الجديدة هو سوريا المتطورة بكل التقنيات الذكية والقادرة على الانسجام مع المعايير الدولية، وبالتالي فإن متطلبات الأداء للمركز المصرفي السوري هي المحافظة على تعزيز الاستقرار المالي والنقدي والمعيشي والاقتصادي، وأن يكون البنك المركزي في بنيته الجديدة الأكثر تطوراً والأكثر تماساً مع آخر المتغيرات في العالم، ما يعني أنه سيكون البنك الأكثر حداثة في المنطقة والإقليم؛ لأنه يبدأ من نقطة بداية جديدة تختلف مئة في المئة عما كان سائداً في المرحلة السابقة.

فهذا البنك المركزي اليوم مسؤول عن الصورة الجديدة لسوريا، الدولة المهنية التقنية المعرفية الذكية والمواكبة لتطورات الذكاء الاصطناعي.

السياسة الاقتصادية والمصرفية الجديدة في سوريا تتبنى توجهاً نحو السوق الحرة وتحرير القطاع المالي.

وقد أعلن سابقاً حاكم البنك المركزي السوري، عبد القادر الحصرية، عن خطة استراتيجية طويلة الأجل تستهدف مضاعفة عدد البنوك العاملة في سوريا من 16 بنكاً حالياً إلى 30 بنكاً بحلول عام 2030، في إطار جهود شاملة لإعادة هيكلة القطاع المصرفي المتضرر من سنوات الحرب والعقوبات الاقتصادية الدولية.

وتأتي هذه الرؤية الخماسية لإحداث تحول جذري في الاقتصاد السوري الذي تهالك قبل سقوط النظام المخلوع.

ووفقاً لتصريحات حاكم البنك المركزي، الحصرية، لوسائل إعلام محلية وعربية، فإن البنك المركزي يُنفذ خطة ثلاثية الأضلاع لإعادة الهيكلة حتى عام 2030.

وتشمل هذه الخطة عدة محاور أساسية، أهمها وضع إطار تشريعي حديث يتعلق بترخيص المؤسسات الاستثمارية والبنوك الجديدة.

وقد أنهى البنك المركزي مؤخراً تحضير تعليمات تنفيذية لقانون البنوك الاستثمارية رقم 56 لسنة 2010، والذي وصفه الحصرية بأنه “قفزة نوعية نحو تطوير النظام المالي والمصرفي في سوريا”.

ويتواصل البنك المركزي حالياً مع عدد من المؤسسات المالية والاستثمارية المحتملة الراغبة في الحصول على رخص العمل في السوق السورية.

كما يأتي إنشاء مركز تميز متخصص في الخدمات المصرفية الإسلامية كجزء من الخطة، حيث يستهدف تطوير حلول تمويلية للبنية التحتية والمشاريع الصغيرة والمتوسطة والإسكان، بما يتناسب مع احتياجات اقتصاد ما بعد الحرب.

ويسعى المصرف ضمن رؤيته الخماسية إلى تطوير أدوات مالية حديثة تشمل إصدار سندات إسلامية وصكوك لتمويل الميزانية وتلبية احتياجات السيولة المحلية، بالتنسيق بين البنك المركزي ووزارة المالية والسلطات المسؤولة عن الأسواق المالية.

عملة سورية جديدة

سوريا الجديدة في انتظار عملتها الجديدة أيضاً، والتي أعلن البنك المركزي السوري أنه يعتزم إطلاقها، وأنها مصممة وفق أعلى المعايير الفنية المعتمدة لدى المصارف المركزية حول العالم، وذلك في إطار برنامج إصلاحي أوسع يستهدف تعزيز الثقة بالعملة الوطنية، وتسهيل المعاملات اليومية، ودعم الاستقرار المالي.

حيث أكد البنك في بيان رسمي سابق له أن هذه الخطوة جاءت بعد تقييم شامل لاحتياجات السوق المحلي وواقع التداول النقدي، وليس لها آثار سلبية، بل تهدف لتحسين جودة الأوراق النقدية المتداولة.

وستُطبع الأوراق النقدية الجديدة لدى مصدرين أو ثلاثة مصادر دولية موثوقة، مستخدمةً أحدث التقنيات المضادة للتزوير، بهدف تعزيز موثوقية التداول وحماية حقوق المتعاملين.

وهنا تكثر التحليلات والتساؤلات حول هذه العملة الجديدة، لكن المحلل الاقتصادي حسام عايش، يرى أن الأصل في هذا وذاك أن يكون هناك ربط بين هذه العملة وبين أسعار الفائدة ومعدلات التضخم المستهدفة ومتطلبات الأداء التجاري والاقتصادي والخدمي، بمعنى المعاملات اليومية للناس، بحيث تكون أبسط وأسهل ما يمكن؛ لأن ذلك جزء من مسيرة الأداء الاقتصادي العام.

ويضيف عايش: “لا بد أن يكون لدينا أهداف مرحلية وأهداف عامة تُشتق منها السياسات المنظمة والدافعة لعمل، سواء البنك المركزي أو المؤسسات الاقتصادية والمالية؛ لتكون سوريا الجاذب الأكبر للمستثمرين وللباحثين عن الفرص الاقتصادية، وأيضاً ستكون وطناً لشركات ناشئة في مجالات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي والمجالات الرقمية.

هذا كله يتطلب سياسات غير تقليدية وسياسات مرنة وذكية، سواء تعلق الأمر بالبنك المركزي أو بالقطاع المصرفي أو بالقطاعات الاقتصادية والمالية في سوريا؛ لأن توقعات السوريين من الدولة الجديدة عالية، وتوقعات الإقليم من الدور السوري الجديد اقتصادياً وتجارياً واستثمارياً وطاقياً وتقنياً ومعرفياً ربما أكثر من مستوى التوقعات العادية.

وأيضاً الربط بين سوريا الجديدة وبين الدول الأكثر تقدماً في العالم يفرض أشكالاً متطورة من الأنظمة والسياسات التي تسمح بسرعة التشابك الاقتصادي والتقني المعرفي”.

وعليه، ينتظر السوريون أن ترتقي العلاقات الاقتصادية مع العالم إلى مستوى العلاقات السياسية والدبلوماسية التي بدأت منذ عام، وينتظرون أيضاً عملتهم الجديدة، علّها تملأ جيوبهم الفارغة والمتعبة من سنوات الحرب، والتي تحاول الدولة السورية ضخ الأموال فيها من جديد.

ولعل زيارة السيد الرئيس إلى البنك المركزي في سوريا، وإشرافه المباشر على الخطط المالية القريبة والبعيدة مؤشر مبشر بأن هناك انفراجات اقتصادية قادمة، ربما ليست دفعة واحدة، ولكن على الأقل تفتح أمام السوريين انسداد الأفق الاقتصادي الذي استمر 14 عاماً.

آخر الأخبار
"تربية حلب" تبدأ طباعة وثائق الناجحين في امتحانات الشهادة الثانوية  جولة لوفد مشترك من وزارتي الدفاع السورية والروسية في الجنوب الأسواق لا تستجيب لتخفيض أسعار المحروقات.. الرقابة "غائبة" هل سبب انخفاض المادة بالأسواق الفروج "المجمد"..؟    استراتيجية 2026-2030.. الرئيس الشرع يضع ملامح الاستراتيجية المصرفية الجديدة الذكاء الاصطناعي سلاح "داعش" الجديد الاقتصاد بعهدة المصارف إلى أين تمضي سيرياتيل ؟ مهندسون قيد الانتظار صندوق النقد الدولي يعلن برنامج تعاون مكثفاً مع سوريا زيارة الشرع إلى "المركزي".. نظرة على تحركات الاقتصاد الكلي غير مسبوقة منذ 1956.. ما أهمية الزيارة ع... في خطوة غير مسبوقة.. بريطانيا تضع حاملة الطائرات تحت قيادة "الناتو" الوجه المظلم لإعلانات التوظيف: رواتب مغرية والوهم سيد الموقف! من الحلم إلى الخداع.. عالم إعلانات ال... ما الشكل الأمثل للدوري الكروي هذا العام ؟ آندريه فارس جيشاوي فوز سلة الوحدة على منتخب سوريا ودّياً أهلي حلب والكرامة في صدارة (حلب ست الكل) حلب تنتقي منتخب الدراجات سيوار بلال أولاً في شطرنج حلب كأس ديفيز.. معركة الأبطال على أرض إيطاليا