الثورة – رولا عيسى:
يتزايد حديث الصناعيين والتجار عن ارتفاع تكاليف الإنتاج باعتباره أحد أبرز تحديات المرحلة الحالية، إذ اعتمد كثير منهم خلال الأشهر الماضية أسعاراً مرتفعة بحجة التكاليف.

لكن بعد خفض أسعار المحروقات بأكثر من 20 بالمئة، يبرز السؤال الجوهري: هل سيبادر المنتجون إلى مراجعة تلك التكاليف وتخفيض الأسعار؟
حتى الآن تبدو الاستجابة متباينة؛ إذ خفضت بعض الفعاليات الاقتصادية أسعارها بنسب محدودة، بينما بقيت قطاعات كاملة خارج دائرة التغيير، ما يعكس فجوة واضحة بين القرارات الحكومية وما يحدث فعلياً في الأسواق، وسط شكوك في قدرة الإجراءات الحالية على ضبط الأسعار وإعادة التوازن.
استجابة ضعيفة
على مستوى الأسواق، ومن خلال الجولات الميدانية، لا يمكن الحديث عن انخفاض ملموس أو واسع في الأسعار، فاستجابة السوق لا تزال أقل من المتوقع ومتفاوتة من محل إلى آخر، رغم أن معطيات الكلف تشير إلى ضرورة حدوث تراجع أكبر.
ورصدت صحيفة “الثورة” أسعار عدد من السلع والمنتجات في أسواق دمشق، وكانت وسطياً كما يلي:
الخضار والفواكه (للكيلوغرام):
باذنجان: 6000 ليرة، برتقال: 10000 ليرة، بطاطا: 6500 ليرة، بندورة: 6500 ليرة، تفاح: 10000-15000 ليرة، جزر: 5000 ليرة، خيار: 9000 ليرة، فاصولياء: 16000 ليرة.
الألبان والأجبان (للكيلوغرام):
حليب: 8000 ليرة، لبن: 9000 ليرة، لبنة: 37000 ليرة، جبنة حلوم: 76000 ليرة، جبنة بلدية: 44000 ليرة، جبنة شلل بقرية: 76000 ليرة، جبنة شلل نوع أول: 38000 ليرة.
صحن البيض: 40000 ليرة.
اللحوم والفروج (للكيلوغرام):
جوانح دجاج: 25000 ليرة، دبوس: 30000 ليرة، سودة الدجاج: 40000 ليرة، شرحات الدجاج: 45000 ليرة، شرحات لحم العجل: 140000 ليرة، فروج منظف: 24000 ليرة، كستا: 40000 ليرة، لحم الضأن المسوفة: 100000 ليرة، لحم العجل الهبرة: 140000 ليرة.
السلع التموينية (للكيلوغرام):
أرز إسباني: 18000 ليرة، أرز مصري: 15000 ليرة، سكر: 8000 ليرة، سمن: 37000 ليرة، شاي فرط: 130000 ليرة، شعيرية: 10500 ليرة، طحين: 7000 ليرة، قهوة: 200000 ليرة، برغل: 10000 ليرة، حلاوة (400 غرام): 13000 ليرة.
وفي لقاءات مع عدد من المواطنين بأسواق دمشق، يقول الموظف عبد الرحمن طه، إن الرقابة “غير ملموسة”، والفروقات الكبيرة بين الأسعار تثير التساؤلات حول غياب مرجعية واضحة للتسعير أو عدم التزام الفعاليات التجارية بها، ما يضع المستهلك تحت رحمة الاستغلال.
وتشير رغداء يونس، إلى فارق الأسعار الكبير بين محل وآخر، معتبرة أن ذلك نتيجة “التسعير العشوائي” الذي يحتاج إلى تدخل أكثر حزماً.
“ترضية جزئية”
يصف أمين سر جمعية حماية المستهلك والخبير الاقتصادي عبد الرازق حبزة، تخفيض أسعار المحروقات على السوق بأنه “ترضية جزئية”، وكان من المفترض أن ينعكس إيجابياً على كلف الإنتاج وبالتالي أسعار السلع، لكن التحديات لا تزال مستمرة.
ويقول إن قرار تخفيض أسعار البنزين والمازوت والغاز أثار جدلاً واسعاً، ورغم أهمية المشتقات النفطية ودورها الكبير في تحديد هيكل الأسعار، إلا أن الكهرباء تبقى المصدر الرئيس للطاقة، خاصة مع دخول فصل الشتاء.
غياب الأثر
ويشير إلى أن المستهلكين لم يلمسوا حتى الآن أي انخفاض فعلي، بل على العكس، شهدت الأسواق ارتفاعات فورية بمجرد صدور زيادة تعرفة الكهرباء، ما يكشف عن خلل في آليات السوق.
ويطالب حبزة بتفعيل الرقابة وتنسيق الجهود بين وزارات الاقتصاد والصناعة والنقل لضمان انتقال أثر التخفيض إلى المستهلك.

قطاع النقل
كما يؤكد حبزة أن قطاع النقل من أكثر القطاعات التي لم تستجب للتخفيض، فبالرغم من انخفاض سعر المازوت بقيت أجور النقل على حالها، ما ألغى أي أثر إيجابي للتخفيض.
كما لا تزال كلفة نقل المواد من مراكز الإنتاج إلى الاستهلاك تُحمّل بالكامل على المستهلك.
وينبه إلى أن ربط الحكومة لأسعار المحروقات بسعر صرف الدولار يخلق حالة عدم استقرار يومية، ويفتح الباب أمام التلاعب، لأن التجار لا يتعاملون مع السعر الرسمي بل مع سعر السوق الموازية.
ويضيف أن الأسعار الجديدة للمحروقات، رغم التخفيض، لا تزال مرتفعة ولا تتناسب مع دخل المواطن، سواء الغاز أو المازوت، ما يشكل ضغطاً إضافياً على الأسر.
ويعتبر أن التخفيض الحالي مجرد “جبران خاطر” بعد الارتفاعات “الفلكية” السابقة، مشيراً إلى أن الغش في المكيال يزيد من معاناة المواطن ويفوق أثر انخفاض السعر.
مسؤولية مضاعفة
ترى الخبيرة التنموية ميرنا السفكون، أن مسؤولية الجهات الرقابية اليوم مضاعفة، فالمطلوب ليس فقط تسجيل المخالفات، بل إلزام المنتجين والتجار بعكس انخفاض الكلف على الأسعار فعلياً.
وتلفت إلى أن السؤال لم يعد حول عدد الضبوط، بل حول فاعليتها وقدرتها على خلق ردع حقيقي ينعكس على جيب المستهلك. وتؤكد أن المواطن لا ينتظر بيانات، بل نتائج ملموسة وأسعاراً أقل وطأة على واقعه المعيشي.
ومن خلال ما سبق، يبدو أن تخفيض أسعار المحروقات لن يكون له أي أثر حقيقي ما لم ترافقه سياسات واضحة لتعديل كلف الإنتاج، ورقابة فعّالة تُعيد التوازن إلى السوق وتضمن عدالة التسعير.