زيارة الشرع إلى “المركزي”.. نظرة على تحركات الاقتصاد الكلي غير مسبوقة منذ 1956.. ما أهمية الزيارة على مسار التنمية والمستثمرين؟
الثورة – وعد ديب :
يرى خبراء اقتصاديون، أن زيارة الرئيس أحمد الشرع، إلى مصرف سوريا المركزي، تعد خطوة مهمة لدعم القطاع المصرفي، تعكس الحرص على تعزيز الاستقرار المالي، وتحفيز النشاط والنمو، وزيادة ثقة المستثمرين والمودعين، ضمن رؤية شاملة لتحقيق التنمية المستدامة.

وتعد هذه أول زيارة لرئيس جمهورية إلى المصرف المركزي منذ افتتاحه عام 1956 من قبل الرئيس الراحل شكري القوتلي، وفق ما أعلن حاكم المصرف عبد القادر حصرية.
وتكتسب الزيارة أهمية إضافية، لكونها تأتي قبيل طرح العملة الجديدة، بما يشير إلى اهتمام رئاسي مباشر بالملف المالي، ودخول مرحلة جديدة في إدارة السياسة النقدية، كما تمثل رسالة دعم واضحة لاستراتيجية التطوير والتحول الرقمي، وتعكس التزام الدولة بتحديث القطاع المصرفي ليكون أكثر قدرة على مواجهة التحديات الاقتصادية الراهنة.
وقال الخبير المالي والمصرفي الدكتور علي محمد، لصحيفة الثورة، إن الزيارة التي اطّلع خلالها الشرع على برنامج التحول المؤسسي والتقني وخطط التطوير الجارية، تمثل “إشارة قوية” للمؤسسات والمصارف على حد سواء بوجود دعم مباشر لتحديث القطاع وتعزيز دوره في دفع عجلة الاقتصاد الوطني.

وأوضح محمد أن تطوير البنية المصرفية يشمل زيادة التحول الرقمي، وتنوع الخدمات المالية، وتعزيز الشمول المالي، مضيفاً: إن هذه الخطوات تسهم في تقليل الاعتماد على النقد، وزيادة الشفافية والحوكمة، ما يؤدي إلى تسريع النشاط الاقتصادي وزيادة الاستثمارات والمشروعات الإنتاجية، وبالتالي رفع الناتج المحلي الإجمالي ومعدلات النمو.
وأشار إلى أن تطوير البنية المصرفية عبر تفعيل أدوات الدفع الإلكتروني الشامل، وربط المصارف مع بعضها ومع الشركات العاملة، وكذلك مع النظام المالي العالمي، يعزز كفاءة القطاع ويحد من الاقتصاد النقدي الموازي، الذي يستحوذ على نسبة كبيرة من النقد المصدر، وهو ما يضعف قدرة المركزي على إدارة العرض النقدي بكفاءة.
ويأتي ذلك، بحسب الخبير الاقتصادي، ضمن رؤية شاملة لتمكين المصارف من تحسين إدارة السيولة، وتقديم الخدمات المالية بشكل متكامل لجميع فئات المجتمع.
استراتيجية 2026- 2030
وتحدث الدكتور علي محمد، عن تحديات تواجه استراتيجية المصرف المركزي 2026- 2030، تشمل ضعف الاحتياطيات الأجنبية للمصرف المركزي، ما يقلل قدرته على التدخل في سوق الصرف عند تراجع سعر الليرة، إضافة إلى نقص قواعد البيانات الدقيقة، التي تحد من قدرة المركزي على إعداد الدراسات الصحيحة واستهداف المؤشرات بدقة.

كما أن الواقع الاقتصادي المتراجع والبيئة الإنتاجية الضعيفة يجعلان الاعتماد أكبر على الواردات في بداية تنفيذ الاستراتيجية ، وفق محمد .
ولفت الخبير إلى تحديات تتعلق بالبنية التحتية الرقمية والتقنية، مثل قصور أجهزة الدفع وضعف الشمول المالي، فضلاً عن الحاجة إلى مراجعة قانونية شاملة تواكب مرحلة الاستثمار المقبلة خلال إعادة الإعمار، إضافةً إلى القيود على التحويلات عبر نظام “سويفت”، وتأثير عقوبات “قانون قيصر” على تعامل المصارف الدولية مع المصارف السورية.
واعتبر أن تنفيذ الاستراتيجية يتطلب توازناً بين الدعم المالي والتقني، ومواجهة التحديات الاقتصادية والقانونية لضمان نجاحها.
التحول الرقمي
ورأى محمد أن التحول الرقمي يعزز كفاءة المصارف من خلال تسريع العمليات المالية، وتحسين قدرتها على منح القروض، وزيادة الشفافية والحوكمة، ما يدعم الاستقرار المالي وثقة العملاء.
وشدد على أهمية الدفع الإلكتروني والشمول المالي، لكونهما يسهمان في تمكين جميع فئات المجتمع من الوصول إلى الخدمات المصرفية، وهو ما يعزز النمو الاقتصادي الشامل، وهنا يظهر الارتباط الواضح بين تطوير البنية المصرفية والتحول الرقمي كعامل أساسي لتعزيز الاستقرار والثقة، وبالتالي تحقيق أهداف الاستراتيجية.
كما أكد أن القطاع المصرفي قادرعلى زيادة دوره في دعم التنمية من خلال توسيع خدمات التمويل والإقراض الإنتاجي بشروط مرنة، وتعزيز الشمول المالي في جميع المناطق والفئات، ودعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وتحفيز الاستثمار في القطاعات الإنتاجية.
ويتضح هنا كيف يتكامل تطوير القطاع المصرفي مع التحول الرقمي وتحديث سياسات الإقراض لتحقيق التنمية المستدامة، وأضاف إن تحديث أنظمة الدفع الوطنية يسهم في تسهيل العمليات المالية، وتقليل الاعتماد على النقد، وربط المصارف مع الشركات والنظام المصرفي العالمي، وتعزيز الشفافية والحوكمة، بما يدعم الاستقرار المالي والنمو الاقتصادي، ويشكل هذا التحديث حلقة وصل مهمة بين البنية التحتية المصرفية الحديثة والسياسات الاقتصادية المستقرة.
الرقابة
وأشار الخبير المالي إلى أهمية الرقابة على منح القروض ونسب السيولة وكفاية رأس المال، بما يضمن حماية أموال المودعين، معتبراً أن نشر التقارير الدورية، وتعزيز إدارات التدقيق الداخلي، وإدارة المخاطر يعزز مصداقية المصارف داخلياً وخارجياً ،ويقوي الثقة مع البنوك المراسلة الدولية.
ولم يغفل الدكتور محمد التأكيد على ضرورة الالتزام بالمعايير الدولية، لما يوفره ذلك من تسهيلات في التحويلات المالية الخارجية ويضمن أمان العمليات المصرفية، ويعكس قدرة المصرف المركزي على إدارة السيولة ومخاطر السوق بفعالية.
وهنا تظهر أهمية الربط بين الرقابة والسياسات التشغيلية لضمان استقرار القطاع وزيادة الثقة لدى العملاء والمستثمرين.