الوجه المظلم لإعلانات التوظيف: رواتب مغرية والوهم سيد الموقف! من الحلم إلى الخداع.. عالم إعلانات التوظيف المزيفة!
تحقيق – نيرمين مأمون موصللي:
تتنامى عبر وسائل التواصل الاجتماعي ظاهرة إعلانات التوظيف الوهمية التي تتخفّى وراء أسماء شركات مجهولة وشعارات براقة في ظل اتساع دائرة الباحثين عن فرص عمل، حيث لا تقتصر خطورة هذه الإعلانات – التي تَعِد برواتب مرتفعة ومناصب مغرية – على التضليل فحسب، بل تمتد لتشكل فخّاً نفسيّاً وماليّاً يستهدف حاجة الشباب وطموحهم في الحصول على عمل كريم.

فخّ الوظيفة.. وقصص ضحايا!
بعد اتصالات وإرسال سير ذاتية (cv) وبيانات يتم تحديد موعد “مقابلة العمل”، ليكتشف كثير من المتقدّمين لهذه الوظائف، أنهم أمام وظائف لا وجود لها أو شروط تختلف كليّاً عمّا أُعلن عنه، لتتحول رحلة البحث عن العمل إلى تجربة استغلال تُعمّق الإحباط وتكشف ثغرات الرقابة على سوق التوظيف الإلكتروني.

وبينما تتزايد شكاوى الضحايا وتتنوّع أساليب الخداع، تشير بيانات وتحقيقات ميدانية إلى اتساع رقعة هذه الظاهرة، ما يستدعي الوقوف على تفاصيلها، ورصد حجمها الحقيقي، ولاسيما أنها تستهدف الشباب من الفئة العمرية بين 20 و35 عاماً، نظراً لاعتمادهم الكبير على وسائل التواصل الاجتماعي في البحث عن فرص العمل، حيث تروي الشابة ( ليلى.ع) لصحيفة الثورة تجربتها “المريرة” قائلة: “حالي كحال الكثيرين ممن يبحثون عن العمل عبر مواقع التواصل الاجتماعي أملاً بالحصول على فرصة ضمن مجال دراستي في الإعلام، لكن بعد أن ضاقت بي السبل بالعمل ضمن مجال شهادتي توجهت للشركات الخاصة التي كانت تطلب الأعمال الإدارية والمكتبية ضمن الإعلان الخاص بها.
وتضيف ليلى: وأنا أتصفح صفحات الفيسبوك الخاصة بالحصول على وظائف، رأيت إعلاناً لإحدى الشركات تطلب فيه موظفات إداريات ضمن المكتب براتب مجزٍ، وميزات جيدة، فتقدمت وأرسلت السيرة الذاتية، وتم تحديد موعد لمقابلة مدير الشركة، الذي قابلته بالفعل لأكتشف خلال اللقاء أن العمل مغاير تماماً لما تم نشره في الإعلان، وأن الراتب زهيد جداً مقارنة بما ورد فيه.
وتتابع ليلى: لم تكن تلك مقابلتي الأخيرة، مدفوعة بحاجتي الماسة للعمل، حيث تقدمت لشركة أخرى تطلب موظفات للعمل المكتبي أيضاً، ولكن كما سابقتها، وخلال المقابلة كانت صدمتي كبيرة عندما أخبرني المدير المسؤول أن العمل هو مندوبة مبيعات خارج المكتب وبنسبة أرباح تحدد بعد تقييم العمل، بالإضافة للعمل مدة شهر بشكل تجريبي دون أجر.
وعند سؤالي له: لماذا لا تقومون بنشر الإعلان بشفافية ليحدد المتقدم العملَ المناسب له ويقوم بالاختيار، ليأتي الجواب الصادم منه: ” في حال طلبنا بالشكل الصريح مندوبي مبيعات لن يتقدم أحد”!!، ما جعلني على يقين بأنني كنت ضحية وظائف وهمية وإعلانات تستغل حاجة الشباب للعمل لمصالحها الخاصة بطرحها إعلاناً مغايراً لما هو على أرض الواقع”.
وفي السياق نفسه تستعيد الشابة ( ريم. س) تجربتها المريرة حين عملت سكرتيرة في إحدى شركات الطاقة البديلة، لتكتشف بعد بدء العمل أن خلف واجهة الاستدامة تختبئ تفاصيل لا تمت لهذه المهنة بصلة، حيث كان المدير المسؤول يقوم بنشر إعلان يطلب خلاله مندوبين ومندوبات، كعمل محترم وبراتب مجز، ولكن عند المقابلة يتم الحديث عن إيجابيات العمل والبيئة المريحة، والمكافآت والحوافز، لضمان موافقة المتقدم ثم يقوم بإعطائهم أوراقاً ويطلب منهم إقناع الناس بشراء منتج بأي وسيلة تحت مسمى الحصول على نسبة من البيع.
وتتابع ريم: وبعد أن يقوم المتقدم للعمل بالعمل المتواصل لساعات طويلة، متنقلاً على حسابه الشخصي، وكلّه أمل بالحصول على النسبة والحوافز في حال البيع، يكتشف في نهاية المطاف وبعد تحقيق البيع أنه لا يصلح لهذا العمل ليغادر الشركة دون أجر أو بدل مواصلات أو أي شي مما تم ذكره خلال المقابلة مع الإدارة عند التقدم لهذه الوظيفة، ما جعله ضحية خداع وغش واستغلال.
الرأي القانوني
وللوقوف على الجانب القانوني لهذه الظاهرة أوضح نقيب المحامين في سوريا الأستاذ محمد علي الطويل لصحيفة الثورة أن هذا النوع من الإعلانات يعتبر نوعاً من أنواع الغش وخداع الآخرين، وهو الاستفادة من ظرف غير موجود، وعملياً وصف وظيفة بغير حقيقتها هو نوع من أنواع استغلال حاجة الآخرين.
وطرح مثالاً على ذلك أن صاحب الإعلان يحدد راتب الوظيفة ضمن المنشور بمبلغ يتجاوز 3 ملايين ليرة سورية، لكن على أرض الواقع يكون المبلغ زهيد جداً، وكذلك الدوام ومكان العمل يختلفان تماماً عما هو منشور في الإعلان، وهذا ما يسمى “الوظيفة الوهمية” أو الاحتيال (قانون مكافحة الجريمة الالكترونية)، والغش عبر الانترنت، والحماية منها تكون بموجب عقد كتابي موقع من طرفي العقد (العامل والشركة) لضمان حقه في كافة الشروط.
وأكد الطويل أن هناك مشاريع قوانين كثيرة لاحقة، لكن هذه الحالة لا تحتاج لتشريع خاص، حيث إنها تعتبر نوعاً من أنواع الغش والاحتيال والخداع واستغلال الحاجة من الوجهة القانونية.
الاحتيال في الجرائم الالكترونية
المحامي فادي الرحال تحدث لـ “الثورة” حول ما ورد بقانون تنظيم التواصل على الشبكة ومكافحة الجريمة المعلوماتية، مبيّناً أن المادة (١٩) نصت على أنه يُعاقب بالسَّجن المؤقت من ثلاث إلى خمس سنوات وغرامة من (3,000,000) إلى (5,000,000) ليرة سورية كلُّ من استخدم وسائل تقانة المعلومات احتيالاً للاستيلاء على معلومات، أو برمجيات أو مال منقول، أو عقار أو سند يتضمن تعهداً أو إبراءً، أو أي امتياز مالي آخر مملوكاً، أو عائداً للغير عن طريق الشبكة، على أن تشدد العقوبة لتصبح السَّجن المؤقت من خمس إلى سبع سنوات وغرامة من (5,000,000) إلى (7,000,000) ليرة سورية إذا وقع الاحتيال على جهة عامة أو مصرف أو مؤسسة مالية مشتركة أو خاصة.
ولفت الرحال إلى أن المشرّع ربط الجرم بعملية الاستيلاء احتيالاً على معلومات أو برمجيات أو مال منقول أو عقار أو سند يتضمن تعهداً أو إبراءً أو أي امتياز مالي آخر مملوكاً أو عائداً للغير، بحيث لا يعتبر عرض وظيفة على الشبكة وتقديم وظيفة أخرى على أرض الواقع جريمة، حيث أن العلاقة هنا تعاقدية ويمكن للشخص قبول أو رفض هذا العرض.
الغش محرم ..
أما من الناحية الشرعية فأكد عضو الهيئة التدريسية في كلية الشريعة الدكتور هيثم الضاهر أنه لا يجوز شرعاً نشر أي إعلان عن أي وظيفة وهمية، واستغلال حاجة الناس وخصوصاً في هذه الأوقات، لأن ذلك من الغش والكذب والضرر بالناس، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: ” لا ضرر ولا ضرار”، وقال: “من غش فليس منا” ، بالإضافة إلى أن النصوص النبوية نهت عن الاستغلال والتلاعب بمشاعر الناس.
وقال الدكتور الضاهر: “نرى اليوم على صفحات التواصل الاجتماعي كثيراً من هذه الإعلانات التي هدفها غالباً جمع اللايكات، وكثرة المشاهدات، والترويج لوظائف وهمية، مشدداً على أن هذا يندرج ضمن الغش والكذب والاستغلال، وينبغي وضع عقوبات معينة لمن يقوم بمثل هذه الأعمال، و “هذه مهمة القانون ورجاله عن طريق اقتراح عقوبات مناسبة لهذه الأمور”.
وعي وحذر..
ودعا الضاهر الناس إلى الوعي ومعرفة أن أكثر هذه الإعلانات وهمية وألا يتعاملوا إلا مع أناس موثوقين ولا يسلّموا عقولهم وأوقاتهم ومشاعرهم لمجهولين.
وفي وقت يحتاج الشباب لفرص عمل حقيقية في إطار دراساتهم الجامعية، يبقى سلاحهم الأهم للحفاظ على وقتهم وطموحهم ومشاعرهم، الإلمام بالقوانين والممارسات الشرعية والأخلاقية والقانونية لحماية أنفسهم، وللوقاية من الوقوع في فخ الاحتيال.
ومطلوب من طالبي الوظائف الوعي والحذر من الإعلانات الوهمية، لضمان أن يكون البحث عن العمل رحلة نحو الفرص الحقيقية لا طريقاً للاستغلال والخداع.