درعا والقنيطرة تحت المجهر.. قراءة في خرائط النفوذ وهندسة الأمن السوري

الثورة – نيفين أحمد:

لم تكن الجولة التي شهدها الجنوب السوري في 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2025 تحركًا اعتياديًا داخل منطقة حساسة، بل بدت أقرب إلى رسالة سياسية تُقرأ ضمن أوسع الترتيبات الأمنية التي تعيد دمشق صياغتها. الزيارة التي شاركت فيها شخصيات رفيعة من وزارة الدفاع السورية إلى جانب وفود روسية وتركية، جاءت في لحظة تتقاطع فيها الديناميات العسكرية مع نشاط دبلوماسي مكثف في العاصمة.

الجولة، بما حملته من رمزية وطبيعة المواقع التي زارتها، لم تكن استعراضًا للقوة بقدر ما كانت إعلانًا هادئًا عن مرحلة جديدة من هندسة الأمن جنوبًا؛ مرحلة تُحاول الدولة خلالها تثبيت مقاربة أكثر شمولًا لإدارة الحدود وضبط التوازنات في منطقة تُعد الأكثر حساسية في المشهد السوري.

قراءة للمشهد الرقمي

التفاعل الرقمي الذي أثارته الجولة كان لافتًا، حيث وصل تقرير رصد لـ”الثورة”، والذي شمل تسع منصات مؤثرة تضم 21.6 مليون متابع، حيث أظهر الرصد انقسامًا حادًا في الخطاب، لكن القراءة الرقمية هنا ليست نهائية بحد ذاتها، بل مدخل لفهم المزاج العام. الدكتور عاصم أبو حجيلة، الباحث في الشؤون السياسية وأستاذ في كلية العلوم السياسية، يرى أن التعامل مع هذا التفاعل يجب أن يقوم على تحليل سياقي لا على انطباعات أولية. فالنسبة المرتفعة من الخطاب السلبي 68 بالمئة لا تعكس، وفق قوله، موقفًا سياسيًا رافضًا للتحرك، بل حالة قلق طبيعي ناجمة عن نقص المعلومات في منطقة لطالما كانت ساحة مفتوحة للشائعات وهدفًا سهلاً للمنصات المعارضة التي تستثمر أي غموض لتعزيز الشكوك. وحول فهم الخطاب الإيجابي والمحايد 32بالمئة، هذه النسبة التي تتوزع بين 11بالمئة من التأييد الصريح و21بالمئة من الحياد أو عدم التفاعل، تمثل شريحة وازنة من الجمهور الذي إما يدعم هذه التحركات كخطوة ضرورية نحو فرض الاستقرار، أو يفضل التريث ومراقبة النتائج قبل إطلاق الأحكام. وفق أبو حجيلة، هذه الفئة الإيجابية والمحايدة تعمل على انتظار النتائج أو على الربط بين الجولة وأهداف استقرار أوسع. ويضيف الدكتور عاصم أن النجاح النسبي لمنصات حصدت 60بالمئة من الآراء الإيجابية، يكمن في أنها لم تكتفِ بنقل الخبر، بل قدمت إطارًا تحليليًا يربط الجولة بأهداف استراتيجية مفهومة مثل توسيع التنسيق الأمني السوري-التركي.

الأمن الحدودي وإعادة رسم التوازنات

السؤال المركزي الذي يطرحه الدكتور عاصم يرتبط بما إذا كانت الجولة تُمهد لرسم حدود جديدة في الجنوب، أو لإعادة توزيع النفوذ بين القوى الموجودة هناك. ويجيب بوضوح: “لا مؤشرات على نيّة رسم حدود دولية جديدة، لكن المشهد يشير إلى إعادة هندسة نفوذ أمنية وتعديل محتمل في قواعد الاشتباك”. ولفهم ذلك، لا بدّ من تحديد الفواعل الرئيسية التي تتحرك في الجنوب؛ فـ روسيا بوصفها الضامن العسكري والسياسي، وإسرائيل التي تبقى اللاعب الأكثر حساسية وحِدّة في ردود الفعل، والأردن الذي يعمل كمراقب متحفز لأي نشاط يؤثر على أمنه الحدودي، وحضور أميركي محدود عبر قاعدة التنف. ويقدم أبو حجيلة تفسيرًا لافتًا للدور الروسي في هذه المرحلة، قائلًا إن موسكو تعمل “كضامن غير معلن لإبعاد أي وجود عسكري غير سوري عن محيط الجولان، وذلك ضمن تفاهمات دولية قائمة منذ سنوات”. هذا الدور لا يعني قيادة روسية للمشهد، بل دعم لوجستي وسياسي لتحركات سورية تخدم مصالح دمشق أولًا.من وجهة نظره، الخطأ الأكثر خطورة في النقاش الإعلامي هو الانطباع بأن التحركات جنوبًا تُدار من الحلفاء، بينما الواقع، كما يقول، إن القيادة السورية هي الفاعل المركزي الذي يعيد تشكيل التوازنات ويطلب من الحلفاء ما يعزز مقاربته وليس العكس. أثارت الجولة سيناريوهات عديدة حول مستقبل الجنوب، أبرزها فكرتان تتداولان منذ أشهر، “نموذج السويداء” وإدارة محلية واسعة الصلاحيات دون انفصال؛ و”منطقة عازلة أردنية” بترتيبات غير معلنة للحدّ من التهريب والنشاطات العابرة للحدود. وأشار أبو حجيلة حول ذلك إلى أنه “لن تجد الإدارة المحلية المستقلة في السويداء النور، ولن تبصر المنطقة العازلة بين سوريا والأردن النور، تبقى فرضية إعلامية أكثر منها خطة فعلية”.إذن، لا مشاريع لإعادة رسم الحدود الدولية، لكن هناك، كما يشير، عملية واضحة لإعادة تشكيل خرائط النفوذ بما قد يقود إلى كانتونات أمنية منفصلة من دون أي تغيير سياسي في الحدود.

الجنوب ساحة لإعادة هندسة السيادة

الجولة العسكرية لم تكن حدثًا عابرًا، بل خطوة في سلسلة ترتيبات تمتد إلى ما بعد الجنوب نفسه. إنها جزء من عملية إصلاح طويلة تهدف دمشق من خلالها إلى تثبيت حضورها في أكثر المناطق حساسية، وإعادة تعريف علاقاتها مع القوى الدولية والإقليمية من موقع الفاعل لا المفعول به.

ومع أن المشهد لا يشير إلى تغييرات حدودية، فإنه يقود، كما يقول أبو حجيلة، إلى خريطة أمنية جديدة تُعيد ترتيب نقاط القوة وتوزيع الأدوار، وتؤكد أن السيادة لم تعد تُقاس بخط حدودي ثابت، بل بقدرة الدولة على إدارة التوازنات داخل حدودها. بدوره، الباحث السياسي وائل علوان أكد في حديثه لصحيفة “الثورة”، أن دمشق نجحت في خلق توازن كبير جدًا من مختلف الفاعلين الدوليين يرضي الدعم والاستقرار بسوريا. وأضاف أن حكومة نتنياهو في إسرائيل لا يكفي أن تكون تحت الضغط الأميركي فقط لدعم وقف إطلاق النار والوصول إلى تفاهمات. عدم التدخل السلبي هو الذي يؤثر في عدم استقرار سوريا. مشيرًا إلى أنه كانت هناك فرصة كبيرة جدًا بحكم تقاطع مصالح مشتركة أن تكسب الحكومة السورية الموقف الروسي، الذي أيضًا من الممكن أن يؤثر في موقف الحكومة الإسرائيلية وأن يساهم في تعزيز فرص وقف إطلاق النار. وأوضح علوان: “أننا عندما نتكلم عن روسيا وعن تركيا وأميركا، نحن نتكلم عن تنسيق عالي المستوى يعزز فرص الوصول إلى ضغط حقيقي على حكومة نتنياهو”.

آخر الأخبار
إجراء غير مسبوق.. "القرض الحسن" مشروع حكومي لدعم وتمويل زراعة القمح ملتقى سوري أردني لتكنولوجيا المعلومات في دمشق الوزير المصطفى يبحث مع السفير السعودي تطوير التعاون الإعلامي اجتماع سوري أردني لبناني مرتقب في عمّان لبحث الربط الكهربائي القطع الجائر للأشجار.. نزيف بيئي يهدد التوازن الطبيعي سوريا على طريق النمو.. مؤشرات واضحة للتعافي الاقتصادي العلاقات السورية – الصينية.. من حرير القوافل إلى دبلوماسية الإعمار بين الرواية الرسمية والسرديات المضللة.. قراءة في زيارة الوزير الشيباني إلى الصين حملات مستمرة لإزالة البسطات في شوارع حلب وفد روسي تركي سوري في الجنوب.. خطوة نحو استقرار حدودي وسحب الذرائع من تل أبيب مدرسة أبي بكر الرازي بحلب تعود لتصنع المستقبل بلا ترخيص .. ضبط 3 صيدليات مخالفة بالقنيطرة المعارض.. جسر لجذب الاستثمارات الأجنبية ومنصة لترويج المنتج الوطني المضادات الحيوية ومخاطر الاستخدام العشوائي لها انطلاقة جديدة لمرفأ طرطوس.. موانئ دبي العالمية تبدأ التشغيل سوريا والتعافي السياسي.. كيف يرسم الرئيس الشرع ملامح السياسة السورية الجديدة؟ هل تسهم في تحسين الإنتاجية..؟ 75 مليون دولار "قروض حسنة" لدعم مزارعي القمح نقلة تاريخية في التعليم.. التربية الدينية تدخل مضمار المنافسة على المقاعد الجامعية الاقتصاد بين طموحات خارجية وتحديات داخلية كيف يعزز العلاج الوظيفي جودة الحياة؟