الثورة – فادية مجد:
تعيد الفنانة ياسمين حسامو تعريف العلاقة بين الفن والحرفة، حين تحوّل المعدن الصلب إلى لغة بصرية تنطق بالجمال والدقة، فتخترق حدود التقليد بابتكارها، وتضفي على النحاس روحاً معاصرة دون أن تفقده أصالته، تجسد في كل قطعة رؤيتها الخاصة، حيث لا يكون الإبداع مجرد مهارة، بل رسالة تحملها التفاصيل وتترجمها اليد بإتقان.

من الجيولوجيا إلى الفنِّ
تقول الفنانة ياسمين حسامو: “منذ الصغر كان لدي انجذاب للألوان واللوحات الجميلة والزخارف المنمقة، وخلال مرحلة الدراسة اقتصرت أعمالي على الرسومات ضمن حصص الرسم المدرسية والمشاركة في معارضها، وهكذا إلى أن تخرجت من كلية العلوم – قسم الجيولوجيا التطبيقية. حينها، بدأت فوراً بصقل موهبتي في الرسم أولاً، ثم تعلمت بعد ذلك تقنية العمل النحاسي.”
حرفة تراثية
وأضافت حسامو: “لطالما آمنت بالقدرة الفكرية واليدوية التي منحها الله تعالى لنا، وكم كانت تجذبني قدرة يد الإنسان على الإنجاز والعمل، وقد رأيت في العمل النحاسي دمجاً بين العمل الفني الجميل والإنجاز اليدوي المتقن، حيث تتكامل فيه الخطوط والتشكيلات مع تفاصيل يدوية دقيقة التنفيذ، لتكون النتيجة تحفاً فنية جميلة، إضافةً إلى العراقة التي يتميز بها معدن النحاس في الأعمال الفنية منذ أجيال قديمة، فالعمل النحاسي يعتبر حرفة تراثية قديمة الأصول. عدا عن جمالية العمل والتشكيل به، ومطاوعة النحاس لأدق التفاصيل، وتحمّله شتى درجات الدقة في العمل، وتعدد درجاته اللونية المتعتقة المذهلة، فهو يعطي إضافة جمالية حقيقية لأي مكان أو زاوية يتزين بها.”
فلسفة النحاس وتقنياته
وأشارت إلى أن العمل النحاسي يحتاج إلى أدوات عمل معدنية متعددة الأشكال والأحجام، تندرج تحت مسمى “مخرز”، بعضها متوفر في السوق وبعضها احتجت لتصنيعها يدوياً لتناسب العمل. وأوضحت أن العمل يتمّ على صفائح نحاسية من نوعيها الأصفر والأحمر، بالإضافة إلى مواد كيميائية لتعتيق النحاس وتلميعه وعزله. ولفتت إلى أن الرسالة التي يوصلها كل عمل نحاسي متقن وناجح هي أن الجمال يستحق التعب، والإنجاز يحتاج إلى إصرار، ونجاح كل عمل يتطلب الصبر والمتابعة. كما أوضحت أن التفاصيل الصغيرة تصنع عملاً متكاملاً وجميلاً، كما ترسم تفاصيل حياتنا الصغيرة مشوار عمرنا بأكمله.

التحدّي الأكبر
ما يسعد حسامو هو إنجاز لوحات الوجوه النحاسية (البورتريه)، لأنها التحدي الأكبر في العمل النحاسي لصعوبتها ودقتها. ويكون فرحها كبيراً بقدر نجاحها في هذا المجال. كما أن الأعمال التي تطلب منها كهدية أو تذكار لأصدقاء داخل أو خارج البلد، أحبوا التهادي بها، تسعدها كثيراً، “فوراء كل هدية قصة حب جميلة وتقدير لكل”. وأكدت حسامو أنها كأي فنان تتعرض أحياناً لعثرات أو خلل في أداء مادة ما أو أداة خلال العمل، حيث يحتاج التعامل مع هذه الحالات إلى تأنٍ وتعلّم ومحاولات أكثر بطرق أخرى. وأضافت: “قد أطلب المساعدة من مقرّبين من أفراد العائلة أو أصدقاء يجيدون العمل اليدوي، وأنا محظوظة بوجودهم بجانبي دائماً”. وبينت أنها تعتمد أسلوب التعتيق الكيميائي دوماً لتلوين النحاس، حيث لا تطليه بالألوان. أما بخصوص النقش، فتفضل استخدام الكثير من التفاصيل في العمل، فالأعمال المكررة تشعرها بالتقصير، لكنها تضطر لذلك عندما يطلب منها عمل نسخة عن عمل محدد أنجزته سابقاً، مشيرة إلى أنها قامت بعدة إضافات للعمل النحاسي التقليدي، سواء من خلال تعشيقه بحبات الكريستال أو إضافته إلى قطع أثاث خشبي منزلي أو إكسسوارات مكتبية، و أوضحت أن أعمالها قد لاقت إعجاباً لدى شريحة كبيرة في المجتمع.
مشاركاتها
شاركت حسامو في عدة معارض للرسم، ومعارض حرفية في صافيتا وطرطوس واللاذقية ودمشق، إضافةً إلى معرض مشترك عالمي (أون لاين). وختمت حسامو قائلة: “أعمل حالياً على توسيع مجال الديكورات النحاسية، حيث يتمّ إدخالها للأثاث الخشبي بالتعاون مع زميل مبدع في حرفة النجارة. فالقطع النحاسية تضيف فخامة وجمالاً للخشب. وقد أنجزت عدة قطع دمجت النحاس مع الخشب، مثل الأبواب والمكاتب، وشاركت مع مجموعة من الأصدقاء النجارين والدهانين المبدعين أيضاً. شكلنا معاً فريق عمل متعاون ومبدع.”