النساء المثقفات لم يكنّ ظلالاً للحرب.. بل ذاكرتها الحيّة

الثورة – رنا بدري سلوم :

بعد أن تنطفئ نار الحرب، يتكفل الزمن بترتيب البيت الداخلي، قد يفتقد المشهد اليومي، لدور الأب والأم وربما الإخوة، وقد يكون الجميع خارج حدود مكانهم، لكن المرأة، باعتبارها الجناح المهيض الذي يخرج من ويلات الحرب أينما كانت ستعود إلى ترتيب أفكارها وأوراقها، بل وحتى حريتها، من أجل حجز مكانتها وسط مجتمعها، كأم وزوجة وربة أسرة.

صحيفة الثورة طرحت سؤالاً “هل امتلكت النساء المثقفات المساواة الثقافية، وكيف نعزز دور النساء في الثقافة والفنون بعد الحرب، وأهمية تعيين نساء ذوات خبرة في المناصب الثقافية والسياسية لضمان تلك المساواة”؟.

مجموعة من الشاعرات الأمهات اللواتي وقفن على منابر الأدب والفكر طيلة سنوات الحرب، ولا زلن يشعرن بأن المساواة وأخصّ الثقافية هي مطلب محق في كل الأزمنة والأماكن، وهن اليوم يتطلعن إلى سوريا الجديدة بعين من الأمل والتفاؤل.

أعد لي صوتي!

اعتبرت الشاعرة سرية العثمان أن “المساواة الثقافية عنصر أساسي في بناء مجتمع يعيد ترميم هويته الثقافية والإنسانية، فخلال الصراعات والحروب تحمل النساء أعباءً مضاعفة، ومع ذلك أثبتن قوتهن ومرونتهن في مجالات الثقافة والفنون، وأصبحن جزءاً لا يتجزأ من حركة الإبداع المجتمعي.

إن تعزيز دور النساء في الثقافة والفنون ضرورة لتطوير المشهد الثقافي بما يعكس تنوع التجربة الإنسانية وتعدد الرؤى لإعادة بناء الذاكرة الجمعية واستعادة الأصوات التي تم تهميشها طوال سنوات الثورة السورية.

وتؤكد العثمان أن تعيين نساء ذوات خبرة في المناصب الثقافية والسياسية هو خطوة مهمة لضمان المساواة، فهو يمكّنهن من التأثير في السياسات العامة وتوجيهها نحو تمكين المرأة في جميع المجالات، عندما تتواجد النساء في مواقع صنع القرار، فإنهن يقدمن تصورات مبتكرة ويسهمن في خلق بيئة تمكينية تتجاوز العوائق التقليدية والظروف السياسية.

المساواة الثقافية ليست فقط حقاً نسوياً، بل هي خطوة أساسية نحو تطوير المجتمع السوري على الصعيدين الثقافي والسياسي. فدعم النساء في هذا السياق هو دعم للمستقبل بأسره”.

أما المعلمة والشاعرة إيمان موصللي، توافقها الرأي، وأنه يجب على المرأة أن تخرج من خانة الدفاع عن حقوقها ومحاولات اقتناص الفرص، لتتمكن من ممارسة دورها الفاعل في المجتمع:

“آن الأوان لأن تمشي المرأة مع الرجل يداً بيد، دون أن تنشغل بإزاحة العقبات وتذليل الصعاب، على أصحاب المناصب والمتنفذين أن يؤمنوا بحقيقة لا لبس فيها، أن المرأة جزء أساسي من عملية البناء في هذه المرحلة الحرجة بعد حرب طاحنة وظروف قاهرة مرت بها بلادنا.

وأكدت موصللي أن وطننا بحاجة إلى استثمار دور المرأة بشكل صحيح، فهي ربة المنزل والعاملة والمعلمة والطبيبة والمهندسة والشاعرة.

اليوم، نشهد تكتلات تحتكر المشهد الثقافي، وقرارات خاطئة لا تخدم متطلبات النهضة بالوعي الجمعي، المرأة قادرة على صنع القرار والمشاركة فيه بما يتلاءم مع قيم مجتمعنا وثقافته.

المرأة لا تريد وصاية لخدمة وطنها، فهي جزء لا يتجزأ من نسيجه، بل هي النساجة بحد ذاتها.

“من جهتها، شبهت الشاعرة بيداء الحمد عطاء المرأة بشجرة الزيتون في صلابتها وقدسيتها: “لثقافة المرأة أهمية كبيرة في ترسيخ القيم وبناء الركائز الأساسية في المجتمعات، هي كالشجرة المثمرة، كلما تسلحت بالثقافة والوعي، نضجت ثمارها وأينعت. وقد كان للمرأة دور أساسي وفعّال في ظل الحروب عبر التاريخين القديم والمعاصر، إذ خلّد التاريخ أسماء نساء ساهمن في تعزيز الثقافة كركن أساسي لوجود المرأة على الأرض.

لكنني أرى والقول للشاعرة بيداء” أن مكانة المرأة في العصور القديمة كانت أوسع وأشمل مما هي عليه في عصرنا الراهن، الذي يعتمد على الرجل في اتخاذ القرارات ذات الأهمية المجتمعية، ما أدى إلى استبعادها عن مراكز القرار بشكل كبير وأناشد الجهات المعنية وأصحاب القرار بإعادة تفعيل دور النساء السوريات، للمساهمة بشكل يليق بعطائهن وتضحياتهن الكبيرة، وختمت بالقول: لابد أن أشيد بدور المرأة الكاتبة والشاعرة والعاملة والمربية، التي تبذل الغالي والنفيس في سبيل رفعة الأوطان وعزتها”.

تهميش وحروب

“رغم تعاظم الظلم والتهميش لعدة أسباب، لم تقل أهمية دور المرأة عن الرجل، فكانت متصدرة دورها العاطفي والإنساني بشتى المجالات والتي لا تقل أهمية عن أندادها الذكور بأعمال تتطلب جهداً بدنياً وذهناً حاضراً وفكراً وقاداً” وفقاً لما صرحت به الشاعرة ماجدة حسن مؤكدة أن سوريا ولادة للعباقرة، هي مهد أول أبجدية في الكون، التي أنجبت أورنينا وعشتار وزنوبيا وغيرهن الكثيرات اللواتي تركن أثراً لا يمحى في ذاكرة الحضارة العربية والكونية، تستحق اليوم أن تنهض بمبدعاتها ومثقفاتها وبنات أرضها اللواتي أثقلت كاهلهن مطايا الحروب وبقين شامخات عزيزات كريمات لا يعرفن لغة سوى لغة العطاء والإبداع بكافة أشكاله وتنوع ثقافاته ومشاربه، بل وعلى مر التجربة الإنسانية حققن بطولات لا تنسى بثباتهن وقدرتهن التي فاقت كل قدرة بشرية.

على هذا ولكل هذا ولأجل بناء وطن معافى، يجب أن يتبوأن أمكنتهن المستحقة ويكافأن على تضحياتهن ببناء جسور متينة ليعبرن نحو بر الأمان ويصبحن صلة وصل متينة بين موقعهن وبين المجتمع، مع إقامة جدران راسخة تقيهن برد العناصر وتكون سنداً لهن في القادم المجهول، وختمت بالقول: “ببساطة ودون جدل، هذه أبسط حقوق النساء السوريات في هذه المرحلة الحساسة والتي تتطلب جهد وإمكانية وإرادة كل فرد في هذا الوطن بغض النظر عن جنسه، ووجود سيدات في مكانهن النخبوي الصحيح سيصنع فرقاً لا يمكن التغاضي عن نتائجه الباهرة المدهشة في جميع المشاهد الثقافية والإنسانية للنهوض بواقع متهالك نحو آفاق العمل البناء ولصنع مستقبل قوي قادر صلب، نحلم به لأبنائنا من بعدنا، مستقبل سوريا العظيم”.

المقاومة بالمعنى الأعمق مطلب حقوقي، وضرورة لإعادة تشكيل الوعي الثقافي، ففي المرحلة التي تلي الحرب، لا يعود السؤال عن حضور النساء المثقفات مجرد مطالبة بحق، بل يصبح سؤالاً عن اتزان الوعي.

الثقافة التي تنهض بعد دمار طويل تحتاج إلى ميزان لا يستقيم دون كفّة النساء، ليس بوصفهن فئة تحتاج للتمكين، بل كطاقة معرفية كامنة كانت تحمي الوعي من الانطفاء حتى في أكثر اللحظات هشاشة” وفقاً لما ذكرته الشاعرة عائشة بريكات فقد أكدت أن دور النساء المثقفات في سوريا لم يكن ظلالاً للحرب، بل كان ذاكرتها الحيّة.

حملن البيوت حين انهارت، اللغة حين تكسّرت، والقيم حين تمزّقت، وواصلن إنتاج الفن والفكرة والخيال، وكأنهن يقمن فعل مقاومة بالمعنى الأعمق، مقاومة النسيان.

وبينت بريكات أن مشاركة النساء المثقفات اليوم ليست إضافة زخرفية، بل ركنٌ تأسيسي في إعادة بناء المشهد الثقافي، دخول النساء إلى بنية الثقافة والسياسات الثقافية، يدخل معها لون آخر من الفهم، ويعيد تعريف العلاقة بين الإنسان والمكان، وبين الذاكرة والمستقبل.

تمكين النساء في المرحلة القادمة ليس استجابة لضرورة اجتماعية فقط، بل استجابة لضرورة جمالية ومعرفية، لأن أي نهضة ثقافية لا تصغي لصوت المرأة ستولد بنصف قلب، ونصف ضوء، ونصف حقيقة”.

آخر الأخبار
إجراء غير مسبوق.. "القرض الحسن" مشروع حكومي لدعم وتمويل زراعة القمح ملتقى سوري أردني لتكنولوجيا المعلومات في دمشق الوزير المصطفى يبحث مع السفير السعودي تطوير التعاون الإعلامي اجتماع سوري أردني لبناني مرتقب في عمّان لبحث الربط الكهربائي القطع الجائر للأشجار.. نزيف بيئي يهدد التوازن الطبيعي سوريا على طريق النمو.. مؤشرات واضحة للتعافي الاقتصادي العلاقات السورية – الصينية.. من حرير القوافل إلى دبلوماسية الإعمار بين الرواية الرسمية والسرديات المضللة.. قراءة في زيارة الوزير الشيباني إلى الصين حملات مستمرة لإزالة البسطات في شوارع حلب وفد روسي تركي سوري في الجنوب.. خطوة نحو استقرار حدودي وسحب الذرائع من تل أبيب مدرسة أبي بكر الرازي بحلب تعود لتصنع المستقبل بلا ترخيص .. ضبط 3 صيدليات مخالفة بالقنيطرة المعارض.. جسر لجذب الاستثمارات الأجنبية ومنصة لترويج المنتج الوطني المضادات الحيوية ومخاطر الاستخدام العشوائي لها انطلاقة جديدة لمرفأ طرطوس.. موانئ دبي العالمية تبدأ التشغيل سوريا والتعافي السياسي.. كيف يرسم الرئيس الشرع ملامح السياسة السورية الجديدة؟ هل تسهم في تحسين الإنتاجية..؟ 75 مليون دولار "قروض حسنة" لدعم مزارعي القمح نقلة تاريخية في التعليم.. التربية الدينية تدخل مضمار المنافسة على المقاعد الجامعية الاقتصاد بين طموحات خارجية وتحديات داخلية كيف يعزز العلاج الوظيفي جودة الحياة؟