الثورة _ همسة زغيب:
يعمل الحرفي أحمد الحلاج في ورشته الصغيرة، وأمام موقده المُشتعل يراقب وهج النار وهو يحوّل كتلة الزجاج المنصهرة إلى قطعة تنطق بجمال دمشق.

يقول في حديثه لـصحيفة “الثورة”: إن ما يصنعه “ليس زجاجاً فحسب، بل ذاكرة مدينة ودفء بيوت عرفت معنى الضوء قبل أن تعرف الكهرباء”، مؤكداً أن الحفاظ على الحرفة هو حفاظ على جزء حيّ من هوية المكان.
يُعرّف بألية عمله موضحاً أن الحرفة تقوم على مزيج من النار والهواء والدقة، حيث تُصهَر قطع الزجاج بدرجات حرارة عالية قبل أن تُشكَّل بالنفخ اليدوي.
ويقول: “ورثت الحرفة عن آبائي وأجدادي الذين منحو القطعة لمستها الخاصة، وصنعوا من كل إناء أو كأس أو تحفة زجاجية عملاً متقناً لا يتكرر مرتين، مهما تشابهت الخطوط”.
لم يقف “أحمد الحلاج” عند حدود إنجاز الأواني التقليدية، بل أعاد إحياء الثريات الدمشقية القديمة التي كانت تتدلى في بيوت الوجهاء والمساجد، وتُعرف بأضوائها الدافئة وقطعها الملونة المصنوعة من الزجاج المنفوخ.

يقول: “نعمل على تصميمها جزءاً وراء آخر، ونحرص أن تحمل كل منها روح الزمن الذي خرجت منه بلمسة تناسب ذائقة اليوم.
كما نصنع فوانيس تراثية مزخرفة، يُدمج فيها الألوان والأشكال الدمشقية القديمة، لتصبح قطعاً فنية تحمل عبق التاريخ وسحر الضوء الشرقي”.
ويشير إلى عودة الإقبال على هذه الأعمال في السنوات الأخيرة، مؤكداً أنّ سرّ جاذبية الزجاج الدمشقي يكمن في “حرارته الإنسانية”، لأنه فن يعتمد على اليد، ويُصنع ببطء، وبعين خبيرة تدرك كيف تتعامل مع مادة شفافة لا تقبل الخطأ.
وعلى الرغم من صعوبة العمل وتراجع عدد الحرفيين، يؤمن الحلاج أن الحرفة ستستمر ما دام هناك من يقدّر قيمتها، ويختم قائلاً: “كل قطعة أصنعها تحمل شيئاً مني، وشيئاً من دمشق، ولهذا لا أخشى على المهنة، فالنار التي تحفظ الزجاج قادرة على حفظ الذاكرة”.