حدثني صديقي الموفد إلى إحدى الدول الأوروبية أن زميلته في الجامعة اعترضت على معرفته لطالبة في الجامعة ذاتها لأن عائلتها ذات صيت سيىء وسمعة سيئة أيضاً ، وحين استفسر عن السبب أجابت بأن أهلها قدّموا معلومات كاذبة لموظف المالية المكلف بتقدير ضريبة الدخل ما حرم خزينة الدولة وبالتالي الشعب من حقّ مادي مفترض، وهو مؤشر معتمد في تقييم مدى الالتزام الوطني الحقيقي لا حجم الأحاديث والأشعار التي قد نسمعها من بعض المواطنين الذين يستفيضون في التغني بالوطن وقوته ووحدته والحفاظ على ممتلكاته العامة ، لكن ممارساتهم الواقعية تشكّل عامل تخريب وتدمير للوطن ومكتسباته المادية فضلاً عن تدمير البنية المجتمعية وخاصة العلاقة التي تربط المواطن بالحكومة والمؤسسات العامة والهيئات الاقتصادية والثقافية والفنية والتعليمية والتربوية وغيرها من مواقع العمل والإنتاج على امتداد أراضي الدولة ، فالسلوك والتصرف يعكس مدى الالتزام الوطني بشقيه العام والخاص ، فلا يمكن لشخص أن يكون وطنياً في حديثه النظري ويخالف سلوكه ومواقفه العملية مصلحة الوطن والدولة .
ويسوقني هنا الحديث للواقع الخدمي في سنوات العدوان على سورية وبروز مجموعات من تجار الأزمات والحروب تستغل حاجة المواطنين وتجني أرباحاً خيالية خلال فترة قصيرة في الوقت الذي تندفع مجموعة أخرى لتلقي باللوم والتقصير على الدولة أساساً وعلى الحكومة والجهات التنفيذية لاحقاً باعتبارها الجهات المسؤولة عن تلبية احتياجات المواطنين ومتطلباتهم في الظروف كافة ، وهنا لا أبريء الحكومة من مهمتها وضرورة الاضطلاع بمهماتها ودورها في ظروف الحرب والسلم ، إلا أن الرؤية هنا قد تكون مخالفة للواقع ، فصحيح أن البلاد تعيش حالة أزمة ونقص في الاحتياجات الأساسية وخاصة الكهرباء والمازوت والبنزين وقبلها المياه وغيرها لكن المناقشة الواقعية تقتضي الوقوف على الأسباب الحقيقة وأن القفز إلى النتائج يفقد الحقيقة الكثير منها، فالإرهاب سبب وحيد وأساسي يقف خلف الحال الخدمي والاقتصادي الذي تعيشه سورية منذ بدء العدوان عليها ، فقد بدأ الإرهابيون عدوانهم على المدارس والجامعات ليتحولوا إلى المصانع والمعامل والمنشآت الزراعية وصولاً إلى المنشآت النفطية وخطوط الطاقة والنفط والغاز وغيرها من المؤسسات الاقتصادية المختلفة بهدف تدمير البنية العامة للوطن وهو الهدف الأساس للعدوان ، فما هو الدور المطلوب من المواطن ليثبت أنه وطني ملتزم بقضية وطنه باعتباره يدرك حقيقة وأبعاد العدوان على بلده ، والمفترض أن يتطابق سلوكه مع الأهداف العامة للصمود ومواجهة العدوان الغربي والإرهابي والرجعي المنفذ بطريقة شيطانية تبتكر دوماً جديداً فيها لتستمر في تدمير البنية الأساسية للدولة.
صحيح أن المهمة صعبة وصعبة جداً لكن المطلوب ثقافة تتناسق مع الهدف تقع المهمة فيها على السلطة التنفيذية مجتمعة متمثلة بالتربية والتعليم والإعلام والثقافة والأوقاف والاقتصاد وقطاعات الخدمات بحيث تكون مخرجاتها تصبّ في مسألة الالتزام بالقانون العام الذي يحقق عدالة في توزيع الموارد الأساسية للدولة فلا احتكار ولا سوقاً سوداء ولا تهريب ولا تهرب من الضرائب ولا تدليس في البيع والشراء ولا اعتداء على حقوق الضعفاء والمحتاجين .
الوطن ليس مجرد أرض نعيش فوقها والمواطنة ليست مجرد بطاقة هوية وجنسية نحملها ، والوطنية التزام عملي وسلوكي في المنزل والشارع ومكان العمل.
معاً على الطريق- مصطفى المقداد