«قناديلٌ حالمة».. بلا مصباح المعرفة

الملحق الثقافي:عبد الحكيم مرزوق:

ثمّة أسئلة عديدة، تثيرها مسرحيات «قناديل حالمة»، الصادرة حديثاً عن اتحاد الكتّاب العرب، للفنان والكاتب المسرحي «تمام العواني»، والتي ضمّت ثلاث مسرحيات هي: «نمر من ورق» و «محاكمة شايلوك» و «صرخة ديوجين».
من ضمن هذه الأسئلة: تُرى هل كانت تلك القناديل «المسرحيات» حالمة فعلاً، أم أنها كانت بعيدة عن الحلم والأحلام، وجعلتنا في مواجهة قاسية مع الواقع المَعِيش من خلال معاناة «الأبطال» الذين كانت نهاياتهم مؤلمة ومأساويّة؟..
فأين الحلم وأين القناديل التي يُفترض أن تضيء، كما أراد لها المؤلّف من خلال الأحداث التي قدّمها لأشخاصٍ، ربّما يملكون الطيبة والخير في مواجهتهم مع آخرين، تحرّكهم نوازعهم وأفعالهم التي تنمّ عن رؤيتهم الضيّقة التي تحمل الشرور، والتي كانت تنتصر في نهاية المطاف.
«نمرٌ من ورق»..
هي المسرحيّة الأولى التي ضمّها الكتاب، وفيها يسلّط الكاتب الضوء على شخصية «فياض»، الفنّان التشكيليّ بطل ومحور العرض، والذي يجمع الخيوط ويفرشها أثناء العرض المونودرامي (الممثل الوحيد)، الذي يكشف خلال التداعيات والمونولوج الداخلي عنده، شخصيات عدّة مفترضة، بدءاً من لحظة العرض المسرحي الذي تكون فيه زوجة ابنه، تلملم أغراضها للخروج من حياته بشكلٍ نهائي، بعد اختفاء زوجها لسنواتٍ عدّة، وحدوث فراغ عاطفي في حياتها الذي تعوّضه بعلاقة عاطفية مع حبيبها، الذي تحاول أن تبني معه حياتها المستقبلية في ظلّ غيابها المتكرّر عن المنزل، ومرض ابنتها ودخولها المشفى نتيجة إهمالها، وعدم العناية بها، ونفقات العلاج الباهظة التي تقع على كاهل الجدّ «فياض» الذي يتعرّض للابتزاز من قِبَل التاجر «أبو عباس»، كي ينفّذ له التصاميم التي يريدها، والتي لا تُرضي ذائقة الفنان، كونها تصاميم تجارية تلبّي حاجة السوق الذي يتطلّب سلعاً فنية رخيصة، تملأ جيوب التجار، ونموذجهم «أبو عباس» الذي يجبر «فياض» على التّنازل عن قيمه الفنيّة والأخلاقيّة نتيجة الحاجة للمال، لعلاج حفيدته الرّاقدة في المشفى..
يُضاف إلى ذلك، شخصية مدير المدرسة الفاسد، الذي يُلغي حصص مادة الرّسم، ويُحلّ محلّها مواد أخرى، حيث يؤدي الصدام بين «فياض» والمدير إلى إحالة الأخير إلى لجنةِ التحقيق، بتهمة تحريض الطلاب، والتحدّث بالسياسة، وبيع كتب ممنوعة، ما يؤدّي إلى توقيفه عن العمل، وإيقاف راتبه الشهري، ممّا يزيد الضغوط الماديّة عليه، حيث يقبل بتنفيذ التصميم الذي طُلب منه، لكنّ ذلك يُتوَّج بوفاة الحفيدة، حيث يتلقى «فياض» اتصالاً من المشفى يخبره بذلك، فينهار في الوقت الذي تنهار فيه النّمور الورقيّة التي صمّمها، ويلقى حتفه على يديها..
«محاكمة شايلوك»
إنها المسرحية الثانية، وهي مؤلّفة من عدّة شخصيات، وتبدأ من نهاية المشهد الأخير لحظة انعقاد جلسة الحكم في المحكمة، علّة القضية التي رفعها «أبو عادل» بطل العرض على «أبو الطيب»، الذي استدانَ منه مبلغاً من المال ولم يرجعه، حيث يبدأ برواية قصته لحاجب المحكمة.. وهكذا تبدأ المشاهد باستعادة الأحداث التي تروي كيف استدان «أبو الطيب» المال من «أبو عادل»، وتوقيعه على إعادة المبلغ الذي استدانه مع الفائدة، ومن ثمّ رفض «أبو الطيب» إعادة المال مع الفوائد بسبب سرقته من قبل «أبو عايد»، الذي يكون متوّرطاً معه بسرقة المساعدات والمعونات التي تصل إليهما، بالتعاون مع عُصبةٍ من الفاسدين: «أبو الفتوح والمختار» و»أبو عايد»، الذي يهرب بالمسروقات خارج البلاد..
اللافت في هذه المسرحية، إقحامُ شخصية «شايلوك اليهودي» في مسرحية شكسبير «تاجر البندقية»، الذي يضع شرط اقتطاع كمية اللحم، إذا لم يتمكّن المستدين من إعادة المبلغ المَدِين خلال الفترة المتّفق عليها، فيكون المشهد الأخير مربكاً وغير محبوك بعناية، حيث يحكم القاضي بإعادة المبلغ الذي تمّ استدانته لـ «أبو عادل»، وحذف بند اقتطاع كميّة من اللحم..
إلى هنا يبدو الأمر عادياً، وبقيّة بنود الحكم على «أبو الطيب، والمختار، وأبو الفتوح» بالسّجن لمدّة خمسة عشر عاماً، بسبب عدم أمانتهم، وسرقة المساعدات، وبيعها في السوق السوداء، وكأنّ القاضي على علمٍ بقضايا الفساد التي مارسوها، وكأنّ القضية أيضا كانت واحدة.. فالقضية التي كانت مطروحة على المحكمة، هي إعادة المبلغ الذي استدانه «أبو الطيب»، فكيف حشر المؤلّف القضية الثانية مع القضية الأولى، وخلطت الأمور ببعضها البعض، ولم تتوقّف المسألة عند هذا الحدّ، بل جاءت الخاتمة مأساويّة بسقوط «أبو عادل» دون حراك، وهو الذي رأى بأنّ القاضي لم ينصفه، ليتحوّل الإنسان الجشع والمادّي إلى كتلةٍ من المشاعر والأحاسيس، التي تجعله يسقط مُفارِقاً الحياة.. .
«صرخة ديوجين»
المسرحية الثالثة والأخيرة في الكتاب.. و»ديوجين» كما تروي كتب التاريخ، هو ذلك الفيلسوف اليوناني الذي حمل مصباحه ومشى في دروب أثينا وفي شوارعها والميادين، حاملاً مصباحه، وكان ذلك في «عزّ طلعة الشمس» في قلب النهار، فأثار انتباه الناس أجمعين، فكيف يحمل مصباحاً وشمس السماء «رائعة النّهار» ساطعة بالنور والضّوء يملأ الأرض، وما بين الأرض والسماء، كانت الدهشة على كلّ الشفاه، حتى اقترب منه مَنِ اقترب، ليعرف سرّ هذا التناقض الواضح، متسائلاً في حيرة السائلين: «مصباح منير في قلب النهار المبين».. فما كان من الفيلسوف، إلّا أن قطع برأيه، وجاءت إجابته قاطعة الدلالة على بيان ملخصه في إجابته: تسألونني عن ذلك، أنا أحمل مصباحي باحثاً عن «الحقيقة «Laverite الحقيقة تاهت، وأنا أبحث عنها وعن مشتقاتها، حيث الحق والعدل المنشود.
«ديوجين» في المسرحية، يخرج من برميل وسط المسرح، ليعلن عن بيع نفسه كسيّد، وهو شيء مُغاير للمألوف.. فالبيع يكون للعبيد وليس للأسياد، وهو لا يبحث عن الحقيقة، بل يريد التخلص من اللصوص الصّغار، ويقول :إنه لن يدعهم يسرقون الانتصار، فعن أي انتصار يتحدث؟! ..
ويقول في مكان آخر: إنه يبحث عن السعادة المطلقة والحبّ، ويتحدّث عن طبائع البشر العدوانية تجاه بعضهم بعضاً، ويطالبهم بالكفّ عن العدوانية وإيقاف الحرب، فالحبّ ضرورة، والصّدق في التعبير يعني الجميع .. ويبدو (ديوجين) «تمام العواني» أقرب للحكمة حين يقول: مَنْ يشرب من خزّان المعرفة لا يظمأ أبداً..
يتخيّل ظهور «الإسكندر المقدوني»، الذي يحاول احتلال برميله الذي خرج منه في بداية النص المسرحي، والذي يخصّه وحده، ولكن «الإسكندر» يعالجه بطعنةٍ من سيفه، حيث يصرخ «ديوجين»: آهٍ لقد قتلتني.. قتلتَ السعادة والنور والضياء.. لن يمرّ قتلي هكذا.. سيقف الجميع في وجهك.. وهي إشارة إلى أنّ رسالة السعادة والنور والضياء، لن يُوقِفها الظلاميون الذين يمثّلهم «الإسكندر»، وأنّ مقاومة الظلام مستمرة من قِبَل كلّ مَنْ يحمل القيم والأفكار النيّرة»..
صرخة ديوجين» التي جاءت بشكل مونودرامي (مسرح الممثل الوحيد)، انتهت أيضاً بشكل مأساوي، كما نهايات المسرحيات السابقة، فهل لتلك «القناديل» أنْ تحمل الأحلام فيما يأتي به المستقبل، أم أنّها مجرّد أحلام؟ أم هي حال المثقّفين وأحلامهم الأفلاطونية والمثالية؟..

التاريخ: الثلاثاء8-6-2021

رقم العدد :1049

 

آخر الأخبار
دلالات سياسية بمضامين اقتصادية.. سوريا تعزز تموضعها الدولي من بوابة " صندوق النقد الدولي والبنك الدو... سجال داخلي وضغوط دولية.. سلاح "حزب الله" يضع لبنان على فوهة بركان لجنة لتسليم المطلوبين والموقوفين في مدينة الدريكيش مصادرة حشيش وكبتاغون في صيدا بريف درعا The NewArab: الأمم المتحدة: العقوبات على سوريا تحد يجب مواجهته إخماد حريق حراجي في مصياف بمشاركة 81 متسابقاً.. انطلاق تصفيات الأولمبياد العلمي في اللاذقية "لمسة شفا".. مشروع لدعم الخدمات الصحية في منطقة طفس الصحية وزير المالية: نتطلع لعودة سوريا إلى النظام المالي الدولي وقف استيراد البندورة والخيار رفع أسعارها بأسواق درعا للضعفين 34 مركزاً بحملة تعزيز اللقاح الروتيني بدير الزور البنى التحتية والخدمية متهالكة.. الأولوية في طفس لمياه الشرب والصرف الصحي    تستهدف 8344 طفلاً ٠٠ استعدادات لانطلاق حملة اللقاح الوطنية بالسقيلبية  بعد سنوات من الانقطاع.. مياه الشرب  تعود إلى كفرزيتا  جولة ثانية من المفاوضات الأمريكية- الإيرانية في روما أردوغان: إسرائيل لا تريد السلام والاستقرار في المنطقة جنبلاط: هناك احتضان عربي للقيادة السورية واقع مائي صعب خلال الصيف المقبل.. والتوعية مفتاح الحل برسم وزارة التربية النهوض بالقطاع الزراعي بالتعاون مع "أكساد".. الخبيرة الشماط لـ"الثورة": استنباط أصناف هامة من القمح ...