العنصريّة الصهيونية ووهم التعايش

 

الملحق الثقافي:د. محمد سعيد المخلافي *

في العدوان الأخير على قطاع غزة ومجازره الوحشية، يضيف الكيان الصهيونيّ إلى قائمته الطويلة، عملاً إجراميّاً آخر مؤكِّداً من خلاله، مدى استمراره في فظاعاتِ صميمه الإرهابيّ الواضح، باعثاً وغايةً غير مشروعة، والمتحقّق وسيلة ونتيجة إرهابية..
ومع أن الإرهاب الصهيونيّ، سافراً للحدِّ الذي يقّلل من قيمة تبيانه، إلا أنه من المهمّ توجيه مسار التفكير نحو جرد الاعتبارات والتَدَيُّنات، واتخاذها قاعدة للتفسير الموضوعيّ الذي يُجلي المنحنى الذاتيّ للصهيونيّة، والمعنى المستنكَر الذي تشتمله مؤسساتها الاستيطانية ومزاولاتها الكولونيالية المستمرة، والذي لن يكون آخر مشاهِدها بالطبع، محاولة التهجير القسري لسكان حيٍّ من أحياء مدينة القدس المحتلة؛ كما يعزّز البرهان على تمادي الكيان الصهيونيّ، وتشبثه الشديد بمذهبه التمييزي العنصري، كمذهبٍ ينبغي قبل كلّ شيء، ألا يُنظر إليه باعتباره انتهاكاً للقواعد القانونية الدولية المتعلقة بالتزامات السلطة المحتلة فحسب، وذلك من غير المساس بالمبادئ العامة للقانون الطبيعي، والقيم الإنسانية الراسخة التي تقرر مبدأ المساواة وعدم التمييز لأي سبب من الأسباب بين إنسان وآخر، وتقرّ كذلك حق الشعوب في مقاومة الاحتلال والاستعمار.
وكما الإرهاب، فإن عنصريّة الكيان الصهيونيّ، أمر معهود أيضاً لا مراء فيه، إنما أردت بهذا المقال الإشارة الموجزة إلى العنصرية باعتبارها ارتباطاً عضوياً، وصفة لصيقة بايديولوجيته نفسها، في ضوءِ التواتر العمليّ والحقائق التاريخيّة الساطعة، والمستعصية على التزوير.
«فالغيتوية» -كظاهرة مثبتة الصحة-، محطّ استناد ماثِل للتقديرات المغالية بخصوص المرتبة الفوقية والصفوة المِلَّية التي تقوم بنفسها، وتتوافق مع العزل والانعزال بتضارباته الاستراتيجية مع مصالح الشخصية لهم، التي كان يمكن أن تحققها بشكلِ طبيعيّ ومترابط مع البيئة التي تعيش فيها، بفعل التمازج والاندماج، وتتجنب معه انتهاج أساليبها التقليدية الحاضرة في الذاكرة الإنسانية مقترنة بالانقباض والاستهجان.
وهذا، دون أن تغيب عن أذهاننا الوقائع التاريخية الشاهدة على تساوق الانغلاق والتمحور الإثني، مع مشيئة التغيير الديمغرافي ومعارك الاقتلاع، كعنوان واسع يستوعب (حروب الرب المُقَدسة) قديماً، وسياسات الكيان الصهيوني حتى اللحظة، فقد رغب وما يزال، في جعل فلسطين المحتلة أرضاً بلا شعب.
زيادة على ذلك، فإن العنصرية في الحالة الصهيونية، محورها الشعور القاطع بالمركز غير المتساوي مع الآخرين، كنصيب واجب بالمولِد وحق متوارث وفق قانون الإله، مما أَصَّل الوعي الحاد لدى الأقليات اليهودية، بالمسافة الفاصلة عن الغير، ودفعها إلى اختيار العزلة والتباعد بملء إرادتها الفصلية. كتصرف مقرون برفض الآخر، ومرادفاً للتطرّف الطبقي وعدم التسامح مع «الأغيار»، بحيث يصير عدم التعايش نسخة مطابقة للاختلاف مُقَراً بها وموافقاً عليها.
ونخلص من هذا، إلى أن العنصرية تخرج عن نطاقِ الانحدار الظرفي البسيط، أو المحدود بالصهيونية بعيداً عن المُوجِب والرافعة الروحية لعَقديَّات الميز والاجتباء، فقد طرأت الصهيونية على مأثورات «شعب الله المختار» الذي خُلق العالم من أجله»، فعملت على تعميقها فحسب بما لها من قوة حماسية وجاذبية، يسهل توظيفها منهجياً لتصبح ركيزة (نفسية/ اجتماعية)، من جملة أهدافها ضمان التبعية العمياء للأسلوب (الثيوقراطي،العسكرتاري) وخصيصتيّ الانتهاز والسيطرة، الغالبة على المسلَك الصهيوني اللاإنساني، الذي لن يتأتى لها بغيره – ظرفاً للرابطة المشتركة-، العبور بالضِمْن الروحي المستثمَر إلى الفعل السياسي التوسعي المعتمد على الاستئصال والإحلال الكليّ.
بعبارة أخرى، العنصرية وإن ثَبُتت كمكون أساس لايديولجيتهم الدينية، فاِن الإضافات الصهيونية تتلخّص في تجذير كل من الشعور بعزلةِ الفرد، ومدارك العلاقة النفعية بين مصالح هذا الفرد والظروف العامة للجماعة، ليكون بدوره وبفعل الواقع، ليس إلا، وبطريقةٍ رمزية، بمنزلة الهيكل العاطفي المَهِيب لإقامة شعائر الانتماء والتضامن، بحذاء الاتّساق الاجتماعي المُفتقَد وغياب الروابط الأنثروبولوجية ومقومات الهوية الكليّة، وقبالة ظواهر عدم التطابق الناتجة عن التركيبة الناظمة لهذا الكيان بغير تجانس، والنظرة المتعدّدة الخطوط والمؤلفة من انقطاعات إثنية شوفينية الطابع.
وذلك، بينما فشلت الصهيونية بحدِّ ذاتها، في حجبِ طبيعتها العنصرية الصعبة التي اكتوى بنارها إلى جانب أصحاب الأرض المحتلة، اليهود أنفسهم. بواقع حالها كقِلَّة مسيطرة صنعت بتحكُّم استحواذي «نخبويتها» المُستأثر بها بين معتنقي اليهودية في الكيان المدعو «دولة إسرائيل» المُثقل بشذوذه البنيوي وبأزمات عميقة، يستحيل الخروج منها إلى حلٍّ إلا بتغيير بنيته كلياً، بدءاً بالصهيونية التي تعتليه، بمزاج «غيستابوي»، وطبعة «ميليشياوية» أساسية، تُراكم أزمتها من حيثما ظنت أنها صارت دولة على إثر امتطاء الشرعية الدولية، والتجمل بمساحيقها، التي ما كانت لتغطي الشَوَه العنصري وقد تَوَثَّق عاملاً تاريخياً مورثاً للنفور والنبذ عبر العصور، ومن سيمائه وأيقوناته الحديثة، القرار(3379) الصادر عن الجمعية العمومية للأمم المتحدة (الدورة 30) تاريخ 10 نوفمبر 1975 -، والذي بموجبه أدانت الأغلبية المحبة للعدل والسلام، الأيدولوجية الصهيونية، ومباشرتها على الأرض بطبيعة الحال-، وشجبتها باعتبارها: «شكلاً من أشكال العنصرية والتمييز العنصري، وشكلاً من أشكال الهيمنة الدولية المهدِّدة للسلم والأمن العالميين»…
القرار الذي يظل نُّصباً معنوياً يخلد ذكرى الرفض الإنساني للمعاني غير الإنسانية، ورمزاً أخلاقياً أرفع من أن تلحقه معرَّة الهرولة إلى إلغائه من أجل عيني «مؤتمر مدريد» وما تلاها من عيون معدنية جامدة، أوهمّت المنبطحين أمامها، بأنها تشير إليهم بغمزاتٍ مشحونة بالمودة وأشياء أخرى خارقة للعادة من معجزات (العِجْل المُقَدَّس).
* كاتب وشاعر يمني

التاريخ: الثلاثاء22-6-2021

رقم العدد :1051

 

آخر الأخبار
زيارة ميدانية ودعم لاتحاد الشرطة الرياضي  سوق المدينة يعود إلى " ضهرة عواد " بحلب  "وجهتك الأكاديمية" في جامعة اللاذقية.. حضور طلابي لافت وفد سعودي في محافظة دمشق لبحث فرص الاستثمار بتخفيضات تصل إلى 50 بالمئة.. افتتاح معرض "العودة إلى المدارس " باللاذقية أردوغان: ملتزمون بدعم وحدة واستقرار سوريا  الذهب يواصل ارتفاعه محلياً وعالمياً والأونصة تسجل 42.550 مليون ليرة سوريا: مستعدون للتعاون مع "الطاقة الذرية" لمعالجة الملفات العالقة التأمين الصحي.. وعود على الورق ومعاناة على الأرض "تجارة ريف دمشق" تبحث مع شركة تركية توفير الأدوية البيطرية   قرار ينصف المكتتبين على مشاريع الإسكان مراقبون تموينيون جدد .. قريباً إلى الأسواق  جاليتنا في "ميشيغن" تبحث مع نائب أميركي الآثار الإنسانية للعقوبات  "الشيباني والصفدي وباراك" يعلِنون من دمشق خطة شاملة لإنهاء أزمة السويداء 4 آلاف طن  إنتاج القنيطرة من التين خطاب يناقش مع لجنة التحقيق بأحداث السويداء المعوقات والحلول هل تكون "المخدرات" ذريعة جديدة في صراع واشنطن وكراكاس ؟ لجنة لدراسة قطاع الأحذية والمنتجات الجلدية في حلب باحث اقتصادي: التجارة الخارجية  تضاعفت مرة ونصف منذ ثمانية أشهر نقلة من  الاقتصاد الواقعي إلى الالكتروني