الثورة أون لاين – دينا الحمد:
مع التسريبات الكثيرة حول التوصل إلى نص واضح بين طهران والقوى الدولية حول البرنامج النووي الإيراني، وبالتالي الاتفاق على جميع النقاط الأساسية في محادثات فيينا بشأن الاتفاق المذكور، فإن السؤال الذي يلقي بظلاله هنا هو: كيف استطاعت الجمهورية الإسلامية في إيران فرض شروطها ورؤيتها وخياراتها على الولايات المتحدة التي أذعنت أخيراً للأمر خلافاً لأجنداتها العدوانية وتصريحاتها التصعيدية على مدى سنوات حكم دونالد ترامب الأربعة الماضية؟!.
قبل الإجابة عن هذا السؤال الهام لابد من الإشارة إلى أن المتحدث باسم الحكومة الإيرانية علي ربيعي أعلن التوصل إلى ذاك النص الواضح في محادثات فيينا وإلى الاتفاق على جميع نقاط الخلاف الأساسية تقريباً، وأن المرحلة المقبلة من المحادثات هي الأخيرة ومسودة الاتفاق تحتاج إلى قرار سياسي من جميع الأطراف وخصوصاً القرار السياسي الأمريكي.
وبالعودة إلى السؤال السابق فإنه بات من الواضح أن أميركا رضخت لإرادة الشعب الإيراني الذي تمسك بحقوقه كاملة، ورضخت لشروط القيادة الإيرانية التي تعاملت بحكمة مع الملف النووي، وفضلاً عن ثبات طهران وصمودها وإفشالها للسياسة الأميركية نحوها، فقد تمكنت من إحباط مشروع فرض أميركا لأجنداتها عليها، كما توجهت شرقاً نحو الصين وأقامت تعاوناً استراتيجياً عميقاً معها.
ومن هنا رأينا كيف تفرض طهران خطوطها الحمر الشهيرة حول برنامجها النووي، وبات أن رفع العقوبات عن إيران سيتم لا محالة، ولاسيما أن وزارة الخارجية الإيرانية كانت قد استبقت الاجتماع الأخير في فيينا لتؤكد أن طهران لن تعود إلى التزاماتها حيال الاتفاق النووي ما لم يتم إلغاء كل إجراءات الحظر والتحقق من ذلك إضافة إلى ضمان عدم انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق مستقبلاً بعد عودتها إليه.
ويبدو أن القوى الدولية الأطراف في الاتفاق استطاعت أن تجر الولايات المتحدة إليه، وتجعل واشنطن تعود عن قراراتها السابقة ضد إيران، وأن واشنطن اضطرت مكرهة للعودة والموافقة على الشروط الإيرانية وخصوصاً بعد الفيتو الروسي الصيني الأخير في مجلس الأمن الدولي ضد مشروع قرار الولايات المتحدة الأميركية تمديد حظر الأسلحة على إيران، وبعد أن خذلت أداتا أميركا الأوروبيتان (فرنسا وبريطانيا) واشنطن وامتنعتا عن التصويت عليه.
وثمة سبب آخر لما يجري وهو أن زمن الهيمنة الأميركية على القرار الدولي وأيام التسلط على العالم قد ولى، وأن الأفول عن المشهد الدولي بات يطارد واشنطن بسرعة البرق مع التطورات العالمية المتسارعة وظهور أقطاب جدد يفرضون رؤيتهم على اللوحة الدولية، ويمنعون تقويض الأسس القانونية الدولية، ويؤكدون على أن طريقة حل الخلافات في العالم لا تكمن في استخدام أساليب الضغط والقوة الغاشمة ولا من خلال محاولات شيطنة إيران أو تهديدها ووعيدها.
وأخيراً، ثمة سبب آخر، وهو أن أميركا باتت بعزلة دولية لم تعهدها منذ عقود، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على فشلها الذريع بتطويع العالم للخضوع لهيمنتها وجبروتها.
