التعاطي الأميركي والغربي مع مجريات الأحداث وتطوراتها على الساحة الدولية، يعطي صورة واضحة عن حالة الإنكار للواقع التي تعيشها الإدارة الأميركية والحكومات الأوروبية، ما يعكس مدى الإصرار الغربي على التمسك بقواعد الهيمنة التي أرستها نزعته العدوانية، وجنوحه الواضح نحو إعادة عهود الاستعمار والتبعية.
أميركا ما زالت تتشبث بمنطق قانون شريعة الغاب الذي وضعت له أسساً من خارج منظومة القواعد الدولية والأخلاقية، والدول الأوروبية ما زالت تسير بشكل أعمى وراء هذه السياسة الخاطئة، حتى وإن كانت تتعارض مع مصالح شعوبها، فالمصلحة الأميركية تبقى هي الأهم بالنسبة لتلك الدول، فنلاحظ أن الحكومة الأميركية تستخدم دائماً كلمة “القانون” عندما تشهر سلاح إرهابها الاقتصادي بوجه الدول الأخرى، فتقول: ” يقضي القانون كذا وكذا..” فتسارع الحكومات الأوروبية لتنفيذ مقتضيات هذا “القانون”، وتزاود على الولايات المتحدة بفرض عقوباتها على هذا البلد أو ذاك، من دون التفكير بعواقب هذا الإجراء اللا إنساني بحق الشعوب المستهدفة، سورية مثال واضح، وكذلك إيران وروسيا وفنزويلا وكوبا وغيرها الكثير من الدول الرافضة لنهج الهيمنة والغطرسة الأميركي.
رغم فشل سياسة العقوبات، وشتى أشكال الضغوط الغربية في تحقيق الغايات الاستعمارية، لا تريد تلك الدول رؤية صورة الواقع الجديد الذي يظهر حقيقة أن زمن الاستعمار والوصاية قد ولّى، وأن الانتصارات الميدانية والسياسية التي تحققها الشعوب الحرة ترسي قواعد نظام جديد في العلاقات الدولية يتنافى بالمطلق مع أجندات المشروع الاستعماري الغربي، فعن أي “قانون” تتحدث الولايات المتحدة عندما تبيح لنفسها حق استهداف الشعوب الأخرى بذرائع وحجج كاذبة، وتمنع عنها حق الدفاع عن نفسها وعن مصالحها وحقوقها المشروعة؟، ألا يجدر بها أن تحاسب نفسها أولاً على جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية التي ترتكبها بحق البشرية وفق ما تمليه القوانين والشرائع الدولية؟، وعلى ماذا تراهن من وراء استمرارها بفرض العقوبات؟، هذا في الواقع انعكاس لفشلها، وعجزها عن تنفيذ مخططاتها العدوانية.
واشنطن وأتباعها الأوروبيون يتوهمون أن عدوانهم وحصارهم الخانق سيجبران السوريين على الخضوع لمشيئتهم، وأن استمرار نهج العقوبات على إيران سيجعلها تستسلم للشروط الأميركية في “فيينا”، وأن تجديد العقوبات على روسيا سيحد من قدراتها المتنامية ويضعف نفوذها ومكانتها الدولية، أو يدفعها للتخلي عن تحالفاتها الاستراتيجية، وأن التلويح بتوحيد المواقف العدائية ضد الصين سيحجم من دورها المتصاعد على الساحة العالمية، وكذلك تتوهم أميركا أن بقيادتها لمجموعة دول غربية ما زالت تستطيع أن تحكم العالم، وتفرض “قوانينها” الخاصة على مسار العلاقات الدولية، ولكنها تتجاهل حقيقة أن هذا العالم يتغير، ولا تريد الاعتراف بواقع هزيمة مشاريعها الاستعمارية أمام صمود الشعوب وإرادتها القوية في التحرر من نير السياسات الأميركية والغربية، وكل ذلك انفصال عن الواقع، وبات من الأجدى لأميركا الجنوح نحو التعايش مع المتغيرات الدولية الجديدة، والتخلي عن عقلية الهيمنة والتسلط، فهذا وحده ما يضمن مصالحها، ومصالح أتباعها الأوروبيين أيضاً.
بقلم أمين التحرير ناصر منذر