الثورة أون لاين – سلام الفاضل:
يقوم كل نسق فلسفي على مجموعة من المفاهيم الرئيسة والمقولات، ولكل فيلسوف طريقته الخاصة في توظيف مقولاته، والربط بينها لتشكيل نسقه الفلسفي الخاص الذي يجعله مميزاً عن غيره.
والبحث في المقولات – تعريفها وطبيعتها وأنواعها وتصنيفها وعددها، ودراستها منطقياً وطبيعياً وأنطولوجياً ومعرفياً، هو من القضايا الجديرة بالاهتمام، ولا سيما أن انصب البحث بالدراسة والتحليل والمقارنة على فيلسوفين تشكّل المقولات البنية الأساسية لفلسفة كل منهما، وهما: أرسطو وكانط.
والكتاب الصادر مؤخراً عن الهيئة العامة السورية للكتاب تحت عنوان (المقولات بين أرسطو وكانط)، وهو من تأليف: د. أحلام عبد الله؛ يُقدم دراسة جادة للوقوف على “نظرية المقولات” وبيان أهميتها عند هذين الفيلسوفين الكبيرين اللذين مثّلا مرحلتين نقديتين في تاريخ الفكر الفلسفي، وذلك بالاعتماد على منهجي التحليل والتركيب، واتباع المنهج المقارن، وفي هذا تقول مؤلفة الكتاب في مقدمتها: “لقد كانت آلتنا الفكرية في تحليل نظرية المقولات عند كل من أرسطو وكانط هي منهج التحليل والتركيب… وكان لزاماً علينا اتباع المنهج المقارن للكشف عن نقاط الالتقاء والاختلاف بين أرسطو وكانط لتحديد الغاية من استخدام المقولات، واعتمدنا على المنهج النقدي أداة فكرية فعّالة تساعدنا الالتزام بالموضوعية والحياد وتجنب الوقوع في الأحكام المسبقة”.
الإطار التاريخي للمقولات
يقع هذا الكتاب في مقدمة وخمسة فصول وخاتمة؛ حاول خلاله الفصل الأول الكشف عن الإرهاصات الأولى لعملية تشكّل المقولات وتوظيفها في تاريخ الفلسفة، فبدأ بدراسة المقولات في الفلسفة الهندية، وانتقل إلى دراسة المقولات في الفلسفة اليونانية قبل أفلاطون، ثم شرع في دراسة مقولات المدرسة الفيثاغورثية وتحليلها، وبيّن دور المقولات في تفسير العالم وما يحدث فيه من تغيرات.
وبعدئذ وقف على دراسة نظرية المقولات عند أفلاطون، ورصد عنده خمس مقولات أو خمسة أجناس عليا للوجود.
في حين تطرق الفصل الثاني لإشكالية أصل المقولات الأرسطية، وميّز بين ثلاثة آراء متباينة حول أصلها، وهي: الأصل المنطقي، ثم اللغوي، وأخيراً الأنطولوجي.
المقولات وأثرها في النظرية النقدية عند كانط.
خصص الفصل الثالث صفحاته لمعرفة دور المقولات الأرسطية في فلسفته الطبيعية والأنطولوجية والميتافيزيقية.
بينما سعى الفصل الرابع إلى توضيح الدور النقدي للمقولات، فعمد أولاً إلى دراسة “المنطق الترانسندنتالي” للكشف عن آليته بوصفه أداة لوضع الأسس والشروط والقواعد والمقولات التي تقوم عليها المعرفة، وقانوناً لتعيين حدودها وطبيعتها.
كما عرض هذا الفصل لإمكانية قيام الأحكام العلمية، وهي عند كانط “الأحكام التركيبية القبلية”، بوصفها جوهر البحث عن قدرة الفهم القبلية على توليد المعرفة، إضافة إلى أنها تمثل الأساس الإبستمولوجي لقيام العلم على أساس نقدي، مع تبيان دور المقولات في نقد الميتافيزيقيا التقليدية، والتأسيس لميتافيزيقيا جديدة تكون بمثابة منهج نقدي تُناقش فيه قدرات العقل، وحدوده للتقليل من شطحاته.
– المقولات وأبعادها الإبستمولوجية عند كانط..
أما الفصل الخامس والأخير من هذه الدراسة فيعرض لطريقة كانط في توظيف المقولات، والذي كان يختلف تماماً عن التوظيف الأرسطي لها، فللمقولات عند كانط دور معرفي أو إبستمولوجي، كما يتطرق هذا الفصل لإشكالية انطباق المقولات على “الحدوس الحسية”، وعن دور الذات الواعي في حل هذه الإشكالية، ودور ملكة الخيال الإبداعي في توفير الرسوم التخطيطية للتقريب بين المقولات المحضة والحدوس الحسية.
في حين تُقدم خاتمة الكتاب عرضاً مكثفاً للأجوبة التي خرجت بها مؤلفة الكتاب عن الأسئلة التي تفرعت عن السؤال الرئيسي، وسرداً للنتائج التي خلصت إليها الدراسة.
بقي أن نشير إلى أن هذا الكتاب يقع في 335 صفحة من القطع الكبير