الملحق الثقافي : عيسى اسكندر علي:
نستطيع أن نُعَّرِف اللغة، بأنها وسيلة تواصلٍ اجتماعيّ، ويُعَرفُ «الفيسبوك» بأنه واسطة تواصل اجتماعيّ، فهو بذلك يلتقي مع اللغة، غير أن اللغة يمكن أن تقتصر على الصوتِ لتأدية وظيفتها في التواصل، بينما يحتاج «الفيسبوك» إلى الكتابة ثم القراءة.
لا ننكر أن للـ «الفيسبوك»، وكأيّ اختراعٍ، حسناتٌ وسيئات، ومن سيئاته ما يجعلنا نقرعُ جرسَ الإنذار، لنُسمِعَه للمعنيّين من معلمين، وذوي طلاب بالدرجة الأولى.
لنشرح الموضوع بإيجازٍ شديد، سَنُعرِّفُ الكتابة على أنها رموزٌ ورسوم للأحرف، متَّفقٌ عليها، يخطّها شخصٌ ما، بغية نقلِ فكرةٍ أو معلومة، إلى أشخاصٍ آخرين.
تخضع هذه الرسوم والرموز، إلى قوانينٍ صارمة وموحدة، لا يمكن تجاوزها، والكتابة قديماً كانت تخصّ النخبة المثقفة في المجتمع، وكانت تحظى باحترامٍ يصلُ حدَّ القداسة في بعض الأحيان، وقد استُخدمت في النصوص الأدبيّة، والعقود والاتفاقيات السياسيّة والتجاريّة، وسُميَت اللغة الرسمية «الفصحى».
بالتوازي مع اللغة الرسميّة، كانت اللهجة العاميّة تتطوّر دون أيّ قواعدٍ أو أسسٍ معروفة، وقد تشعّبت عنها لهجاتٌ مختلفة، ونغماتٌ وألحانٌ صوتيّة عند نطق الحروف، تغيّرت مع تغيّر الموقع الجغرافي «صحراء، جبل، مدينة، سهل، بحر، إلخ..».. إذ إن لطبيعةِ المكان تأثيراً كبيراً على لحنِ الصوت عند النطق، وبالعموم هذا ليس بحثنا، فمن المعروف أن اللغة العامية، غير مكتوبة وغير رسمية، ولا تُعتمد في أيّ نصٍّ مكتوب.
المُستَجد والطارئ في القرن الحادي والعشرين، هو انتشار وسائل التواصل الاجتماعيّ الإلكترونيّة، بشكلٍ واسعٍ أدى إلى استباحة ثقافة الشعوب، بل استباحة حركة الأدب والإعلام، فقد أمسى بمقدورِ أيّ شخصٍ مهما تدنّت واضمحلّت ثقافته، أن يُمسِكَ بجهازه الإلكترونيّ ويبدأ بالنشر، وقد يصل عدد متابعيه إلى العشرات أو المئات، أو حتى الملايين، ومنهم من لا يستطيع فرز الخطأ عن الصواب، ولاسيما الأطفال دون سن العاشرة.
يتواصل الأطفال مع رفاقهم وذويهم عبر «المسنجر»، ويقلّبون صفحات «الفيسبوك» ويقرؤون عشرات الكلمات المشوّهة، وأنا هنا لا أقصد الأخطاء الإملائيّة، بل أقصد الكلمات والأحرف المشوّهة عمداً (التي تُكتَب كما تُلفظ في العامية)، والتي ستؤدي مع التكرار، إلى فقدان أو انحسار القواعد التي تحكم هذه اللغة، وبالتالي إلى حالةٍ من الفوضى والضياع الثقافيّ والمعرفيّ.
من هنا، وعندما يصبح شائعاً جداً، استبدال حرف الـ «هاء» وحركة «الضمّة»، بحرفٍ آخر لا علاقة له بالكلمة، وهو «الواو»، فإن عبارة «يرحمهُ الله»، تصبح: «الله يرحمو».
من المؤكد أن الطفل، سيجد صعوبة بالغة بعد هذا الكمّ الكبير من التشويه، في التمييز بين الكلمة العامية والكلمة الفصحى، إذ إن العقل مبرمج مسبقاً على كتابة الفصحى والتحدث بالعامية، ما سيخلق تشويشاً كبيراً على ذهن الطفل.
الخطر الأكبر على اللغة، هو استسهال الكتابة بالعامية وانتشارها، ما يمهّد لضياعِ اللغة الفصحى، لغة الأدب والشّعر، ناهيك عن كونها اللغة الرسميّة.
إذا أهملنا انتشار السخافة، والسطحيّة والتكرار والسرقات الأدبيّة التي تحصل على الفيسبوك»، وإن أهملنا فقدان حسّ الجمال لدى كُثرٌ، فإن الخطر الأكبر يكمن في فقدان اللغة للقواعد الأساسيّة لكتابة الحرف، واستبدال الحروف بأخرى، والكلمات بمقاطعٍ صوتيّة عامية.
يا تُرى ما الحلّ؟.. الحلُّ موجودٌ دائماً، دعونا نتواصل مع الأطفال خصوصاً، والأصدقاء عموماً، وإن كان عبر وسائل التواصل الاجتماعيّ، لكن باللغة الفصحى حصراً، عندها سيدركون أن العاميّة هي لغة الشارع، وأن الكتابة تخضع لقواعدٍ من الخطأ تخطّيها.
التاريخ: الثلاثاء 17- 8- 2020
رقم العدد: 1059