الملحق الثقافي: هفاف ميهوب:
هي حكمةٌ اشتهر بها طاليس، أحد ساسة اليونان قديماً، وقد تحوّلت فيما بعد إلى «اعرف نفسك بنفسك»، وهكذا كُتبت على أعمدة «معبد دلفي» اليوناني، ليتّخذها «سقراط» الفيلسوف اليونانيّ العظيم، شعاراً لمسعاه في سبر أغوار المعرفة.
إن تأمّلنا هذه الحكمة الموجزة، والمعبّرة عن الأسرار الكامنة في العمق والجوهر الإنساني، نجد أن عمق الذات في الإنسان، يجعل الوجود بأكمله قائماً فيها، وهو ما أدركهُ فلاسفة وحكماء «دلفي» ومنهم «سقراط»، الذي ما كان له أن يقتدي بهذه العبارة، لولا دراسته العميقة والحكيمة لأغوار النفس البشريّة، ومعرفة ما فيها..
إنها المعرفة، الفلسفة، الحكمة.. الرائية لأسرارِ الذات، والقادرة دوماً على اكتشاف ما لا يمكن أن يكتشفه، إلا الباحث في أعماقه عن الحقيقة التي تمكّنه، من الاتّصال والتوحّد بالكون والحياة..
إذاً.. أن نعرف أنفسنا، يعني أن نعرف العالم المحيط بنا، أي نكشتفه، وجهلنا بحقيقتنا، يجعلنا ننفصل عن هذا العالم ونجهله..
يدفعنا هذا إلى السؤال: هل يبحث إنسان هذا العصر في أعماقه عن أسرار وجوده وحقيقته؟!.. هل يعرف نفسه، ويعرف العالم المحيط به، وهل يمتلك شيئاً من الحكمة، التي تضيءُ وتنبثق من جوهره؟!..
للأسف، الواقع يشير إلى غير ذلك، فها نحن نشهدْ في هذا الزمن المتشظّي، غير المتوحّد أو حتى القويّ، بأن الأنا، الذات، النفس، الكيان، ورغم أنهم مفردات تحمل معاني واحدة، إلا أن كلّ منهما انفصلت عن الأخرى، فباتت مشتّتة وبعيدة ومتباعدة…
معنى هذا، أن إنساننا أبداً لا يعرف نفسه، وبالتالي لا يعرف ولا يتكامل أو يتوحّد بالطبيعة والعالم المحيط به.. معناه، أن الحكمة بعيدة جداً عنا، ولهذا ترهّلت يقظتنا ومعرفتنا.
أيها الإنسان، انظر إلى عمقك، واعرف نفسك..
اعرفها بالتأمّل والتفكير الذي يرتقي بها ولو قليلاً.. اعرفها بوعيك وإنسانيّتك، حتى وإن لم يكُ كما عرفها فلاسفة وحكماءُ كـ «سقراط»، الذي أجاب عرّافة «معبد دلفي» عندما أخبرته: «هل تعرف بأنك من أكثر الرجال حكمة على وجه الأرض!!».. أجابها: «لا أعرف شيئاً على الإطلاق.. أنا محبّاً للحكمة ولستُ حكيماً»..
التاريخ: الثلاثاء 17- 8- 2020
رقم العدد: 1059