الثورة أون لاين – عبد الحليم سعود:
رغم مرور عشرين عاماً على الحدث العالمي الأبرز مع بداية الألفية الجديدة، “اعتداءات 11 أيلول” عام 2001 على كل من واشنطن ونيويورك، حيث تمت مهاجمة الولايات المتحدة الأميركية في عقر دارها، واستهدف مبنى البنتاغون في واشنطن وبرجا التجارة العالمية في نيويورك، وسرعان ما وجهت أصابع الاتهام إلى تنظيم القاعدة الإرهابي الذي ساهمت الولايات المتحدة الأميركية نفسها بإنشائه إلى جانب النظام السعودي ليكون خنجرهما في خاصرة كل من روسيا وإيران، ليقود هذا الحدث الكبير إلى أطول حرب في تاريخ حروب الولايات المتحدة الأميركية تحت عنوان مكافحة الإرهاب أو “الحرب على الإرهاب”، حيث شهد العقدان الماضيان على إثر هذه الحرب تطورات عديدة وخطيرة أضعفت كثيراً من الاستقرار العالمي وغيرت خريطة التوازنات والتحالفات الاستراتيجية على مستوى العالم.
اليوم ومع تزامن هذه الذكرى مع الانسحاب الأميركي الفوضوي من أفغانستان وسيطرة حركة طالبان الأفغانية الكاملة على البلاد وهي التي وضع رأسها إلى جانب رأس تنظيم القاعدة هدفاً للحرب الأطلسية على أفغانستان، تعود التساؤلات مجدداً حول جدوى هذه الحرب التي أرهقت العالم وقتلت الملايين من مدنييه، وشردت عشرات الملايين، ودمرت العديد من البلدان في المنطقة، ولاسيما مع عودة طالبان إلى الواجهة مع استعداد أو شبه إجماع دولي على التعاطي معها كأمر واقع وظهور عشرات التنظيمات الإرهابية التي لا تقل خطورة عن القاعدة نفسها أو عن طالبان، وثمة قراءات متعددة تتباين فيما بينها، وتلتقي في العديد من النقاط، وثمة تساؤلات من الذي انهزم أميركا أم الإرهاب؟.
ثمة قراءة تقول أن الولايات المتحدة كانت بحاجة إلى ذريعة كي تعلن هيمنتها الاستراتيجية على العالم بعد سقوط الاتحاد السوفييتي في تسعينات القرن الماضي، وبروزها كقطب عالمي وحيد لا منافس له، وتعزز هذه السيطرة من خلال حرب سريعة وخاطفة تنتهي بانتصار ساحق، فجاء حدث الاعتداءات ليلبي هذه الحاجة للمحافظين الجدد في واشنطن، حيث استطاعت الولايات المتحدة أن تحشد حلف شمال الأطلسي وعدداً من الدول الأخرى الدائرة في فلكها في هذه الحرب، وتحتل أفغانستان خلال فترة قصيرة مستفيدة من الزخم الذي حققته أحداث 11 أيلول تعاطفاً أو شعوراً بالقلق، وقد قسم الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش آنذاك العالم إلى طرفين “إما معنا أو ضدنا” لإحراج الدول المترددة في الانضمام إلى هذه الحرب التي اعتبرها حرباً مقدسة ووصفها بالصليبية!.
وثمة قراءة أخرى تؤكد أن الولايات المتحدة شعرت بخطر عودة الاتحاد السوفييتي مجدداً إلى الساحة العالمية من خلال روسيا التي بدأت باكتشاف نقاط قوتها والاستعداد لحجز مكان لائق بها في التوازنات الدولية، كما استشعرت حضور الصين كقوة اقتصادية آخذة بالتمدد في آسيا والعديد من مناطق العالم بما يهدد أطماع وطموحات ومصالح الإمبراطورية الأميركية في هذه المناطق، فتم اختيار أفغانستان لما لهذا البلد المضطرب المنهك بالصراعات من موقع استراتيجي يمكنها من محاصرة كلا القوتين الروسية والصينية، ويكون في نفس الوقت عامل ضغط على القوة الإقليمية الصاعدة في المنطقة.. إيران التي شكلت خلال العقدين السابقين لاعتداءات أيلول شوكة في حلق المشروع الأميركي المعد للمنطقة ونهب ثرواتها.
اليوم ومع الذكرى العشرين لأحداث 11 أيلول التي غيّرت العالم يؤكد البعض أن الحرب الأميركية على الإرهاب قد فشلت فشلا ذريعاً، وأن العالم عاد إلى المربع الأول في مواجهة الإرهاب، وثمة من يعتقد أن هذا “الفشل” مقصود ومخطط له بدليل أن أميركا نفسها قد مهدت لعودة طالبان بقوة لحكم أفغانستان من خلال مفاوضات جرت في قطر على مدى السنوات الماضية، لتكون بؤرة للتطرف والإرهاب الذي يضر بمصالح كل جيرانها بدءاً بإيران وصولاً إلى روسيا والصين، ولاسيما مع وجود تنظيمات إرهابية لا تختلف عن القاعدة بل ربما تلتقي معها وتتفوق عليها بالفكر التكفيري والتطرف.
وهناك فريق يشمل عدداً من الدول الأوروبية وجه اتهامات حادة للولايات المتحدة بعد انسحابها الغريب والفوضوي من أفغانستان وهو ما وضعهم في موقف محرج، كما وصفت إدارة بايدن بفقدان التوازن والاتزان والتخبط، وثمة من يعتقد أن عصر السطوة الأمريكية قد انتهى إلى غير رجعة.
لكن من الظلم والإجحاف الجزم بأن الولايات المتحدة قد خسرت الحرب على الإرهاب، فالولايات المتحدة بالأصل لم تحارب الإرهاب حقيقة، بل كان أداتها لتحقيق وتنفيذ العديد من أجنداتها في منطقتنا وفي العالم وذريعتها الجاهزة للتدخل في شؤون الدول الأخرى تحت عنوان مكافحته أو الحرب عليه، وقد يكون من الإنصاف القول إن هناك تبادل مصالح وخدمات بين الطرفين، ولا يمكن أن يتخلى أحدهما عن الآخر فهما وجهان لعملة واحدة، فكل الدمار والخراب والقتل والعنف والإجرام الذي أنهك منطقتنا كان نتيجة التحالف الخفي بين واشنطن والإرهاب، والحرب على سورية كانت الدليل القاطع على ذلك، إذ شاركت أميركا وكل حلفائها وعملائها في المنطقة والعالم بدعم التنظيمات الإرهابية في سورية وهذه حقيقة بات يعرفها الجميع