استثمارا في هجمات الحادي عشر من أيلول الإرهابية التي وقعت في الحادي عشر من أيلول سنة 2001، والتي أودت بحياة الآلاف من المدنيين الأبرياء، وأعقبتها حروب شنتها الولايات المتحدة الأميركية تحت ذريعة الحرب على الإرهاب، وأدت إلى احتلال وتدمير بلدين هما العراق وأفغانستان اضطرت الولايات المتحدة الأميركية لاحقاً إلى الانسحاب منهما، ما يعكس فشل سياساتها القائمة على معطى القوة العسكرية، صدر في الولايات المتحدة الأمريكية كتاب خصص للأطفال عدد صفحاته ست وثلاثون صفحة قام بتأليفه مجموعة من علماء نفس متخصصون في تشكيل ثقافة الطفل وأدباء ومربون على درجة عالية من التخصص في علم نفس الأطفال، الكتاب المشار إليه يتضمن عبارات مدعمة بصور رسمت بعناية وتتركز العبارات والصور على قضية جوهرية وهي الربط بين الإرهاب والإسلام من خلال رسوم يظهر بها زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن وهو يحمل القرآن بيد والرشاش باليد الأخرى إلى جانب صور أخرى تربط بين الدين الإسلامي والقتل كالقول إن القتل عند المسلمين هو الذي يعبد الطريق إلى الجنة إضافة أن الإسلام دين راديكالي متشدد يؤمن بالعنف ويحتقر الحياة ولا يؤمن بفاخر المختلف.
الغريب أن مؤلفي الكتاب وضعوا له عنواناً حتى لا ننسى، فالهدف هنا واضح وهو تكريس حالة الكراهية للإسلام والمسلمين في الوعي الجمعي والذاكرة الجمعية الغربية وهو ما يتناقض مع ما يطلقونه من دعوات لحوار للحضارات والعيش المشترك وتكريس ثقافة التسامح والمحبة التي تشكل جوهر الثقافة المسيحية، فأين تلك الكتابات والأعمال من قول السيد المسيح عليه السلام رسول المحبة والسلام أحبوا مبغضيكم ومن ضربك على خدك الأيمن أدر له خدك الأيسر وغيرها الكثير من قيم المسيحية الحقة؟، ولعل السؤال هنا إلى أي مدى تخدم مثل هذه الأعمال العلاقات بين الشعوب وتساهم في مد جسور المحبة والتفاعل بينهم؟، وما هو دور الكنائس الغربية ورجال الدين المسيحي ورجال الفكر والثقافة والسياسة ووسائل الإعلام في التصدي لمثل هكذا أعمال تحرض على الكراهية وتحول دون طباعتها أو نشرها وتوزيعها؟، وهذا يدخل في عمق مواجهة الإرهاب لأن الإرهاب بالنتيجة هو صناعة ثقافية وحقن تربوي وديني وعملية تخصيب منظم يمكن مواجهته بمستويين أولهما تجفيف منابعه في بؤرها سواء كانت تربوية أو دينية أو ثقافية، وثانيهما بالقوة إذا أخذ طابع التنظيم المسلح، ولعل الملفت للانتباه أن التقارير أشارت إلى أنه قد بيعت عشر آلاف نسخة من الكتاب خلال ثلاثة أيام فقط وهذا يدل على أن حملة إعلامية مركزة قد سبقت طباعة الكتاب لترويجه بسرعة خاصة وأن نشره قد تزامن مع إحياء الذكرى العاشرة لهجمات الحادي عشر من أيلول والمزاج الشعبي الأمريكي العام الذي رافقها.
نشر ذلك الكتاب وترويجه وتناوله في وسائل الإعلام الأمريكية شكل بالتأكيد ردة فعل لدى الجاليات العربية والإسلامية في أميركا ولدى العرب والمسلمين في العالم عموماً، ولا يمكن لأحد أن يتصور درجة ردة الفعل هذه سواء كان بالكتابة المضادة أو السلوك لأن ثمة قوى متطرفة موجودة في كل الثقافات والديانات ويمكنها استغلال ذلك لتبرر الكثير من أفعالها ونشاطاتها ومواقفها على قاعدة الفعل ورد الفعل وهذا يجعل المجتمعات الإنسانية ضحية تصرفات طائشة لأفراد وجماعات متطرفة وهنا يبرز دور المجتمع الدولي والهيئات الثقافية الدولية في منع طباعة ونشر كل ما من شأنه الإساءة للأديان والجماعات والثقافات أيا كانت مضامينها وقناعات المنتمين إليها لأن ذلك يدخل في إطار حرية الاعتقاد وهي من الحريات الفردية التي تضمنها وتؤكد عليها الشرائع الدولية وميثاق الأمم المتحدة.
إضاءات- د. خلف علي المفتاح